- توقفت عن الكلام والكتابة مؤقتًا، مستسلمة للبكاء ومشاهدة التلفزيون، لكنها تدريجيًا بدأت في إعادة ترتيب مكتبتها والعودة إلى القراءة، معبرة عن شعورها بالعجز وتأجيل مشاريعها الكتابية.
- تتساءل عن دور العمل الإبداعي في مواجهة العدوان وتشعر بالخجل عند الإشارة إلى الكتابة كفعل صمود، مؤكدة على أهمية القتال المباشر وتحرير العواصم العربية كخطوات نحو تحرير فلسطين، معبرة عن تضامنها مع أهالي غزة.
تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أيام العدوان على غزّة وكيف أثّر على إنتاجه وحياته اليومية، وبعض ما يودّ مشاركته مع القرّاء. "أُريد أن أشهد العقاب الذي يستحقّه هؤلاء القتلة"، تقول الكاتبة والصحافية العمانية لـ "العربي الجديد".
■ ما الهاجس الذي يشغلكِ هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟
- لا أستطيع حتى تقديم فكرة واضحة عمّا يُشكّل هاجساً بالنسبة إليّ. هنالك الكثير من الأفكار التي تقذف بنفسها في رأسي، الخلاص الجماعي إحداها، إعادة التفكير في دراسات ما بعد الاستعمار، التفكير في مسألة مركزية نظرية المعرفة الأوروبية كواقع مُعاش، لا كأفكار مجرَّدة سبق أن ناقشناها في أوقات الرخاء الثقافي كما يروق لي تسميتها الآن. أُريد مراجعة كلّ شيء، كما لو أنّ العالم بدأ بالنسبة إليّ في تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي. يبدو أنّني كنتُ مغيَّبة أو ساذجة، لا أدري كيف يمكن أن أكون أيّ شيء آخر وأنا أرى ما يحدث الآن، علماً أنّني لطالما كنتُ مشتبكة مع ما يحدث في فلسطين عموماً، وفي غزّة بشكل خاصّ.
■ كيف أثّر العدوان على حياتك اليومية والإبداعية؟
- في الأيام الأُولى توقّفت عن الكلام. لم أكن أفعل شيئاً سوى مشاهدة التلفزيون، والبكاء بانفعال حادّ. مع مرور الوقت أعدتُ ترتيب مكتبتي، بدأتُ أعود إلى القراءة فور أن تعثّرت بكتاب ممدوح عدوان "دفاعاً عن الجنون"، وبه نصوص تتعلّق بفلسطين. أحزنني أنّ الأمر لم يتغيّر قطّ منذ تأليف هذا الكتاب، بل إنّ سوء الوضع يتفاقم كلّ يوم. أمّا بالنسبة إلى حياتي الإبداعية، فلقد توقّفتُ كثيراً عند مسألة الكتابة في وقت الكارثة، وما زلتُ عالقة هناك. كلّ مشاريعي الكتابية مؤجّلة. لا أستطيع التفكير بشيء آخر غير الموت المشاعي وشعوري بالمساهمة فيه بطريقة ما.
■ إلى أي درجة تشعرين أن العمل الإبداعي ممكنٌ وفعّال في مواجهة حرب الإبادة التي يقوم بها النظام الصهيوني في فلسطين اليوم؟
- بصراحة أنا متردّدة جدّاً أمام هذا السؤال، من ناحيةٍ أشعر أنّ إجابتي الأُولى يسمها شيء من الخجل والخزي أن أقول مثلاً إنّ الكتابة فعل صمود، ثم إنَّها طريقتنا في الحديث عمّا يجري هناك، ألّا ندعه يختفي. أعني أنّ هناك واجباً علينا تجاه الضحايا، أن تبقى قصّتهم، وأن يعرف التاريخ ما يجري معهم، إضافة إلى أنّ الكتابة غير المباشرة عمّا يجري قد تقوّينا على احتمال ما يحدث والصمود أمامه، إنها تمدّنا بالقدرة على ألّا نضمر، ولا يتمّ طمسنا، أن نستمر من أجل أن نستطيع تحقيق ولو بعض العدالة للخاسرين، ومن ناحية أُخرى أفكّر ألّا شيء على الإطلاق قد يفيد سوى أن نشنّ حرباً مباشرة بالأدوات نفسها التي يستخدمها العدوّ بعيداً عن كيتش "الصمود بالقلم والمعرفة". أجدني أميل إلى الخيار الثاني. يا إلهي هذه إبادة لا يستطيع أيّ شيء تقديم العزاء حولها وعليها.
تحرير العواصم العربية أساسيٌّ لتحرير فلسطين
■ لو قيّض لكِ البدء من جديد، هل ستختارين المجال الإبداعي أو مجالاً آخر، كالعمل السياسي أو النضالي أو الإنساني؟
- لا أجد أنّهما منفصلين. كلّ كتابة هي كتابة سياسية، حتى وإن كانت مجرّدة وتحفر في اللغة فقط، فالكاتب يعكس رؤيته للعالم من خلال موقعه التاريخي والسياسي داخله. لكنّني بلا شكّ في هذا الوقت، أفكّر في ما لو كنتُ قادرة على حمل السلاح بالمعنى المباشر لا المجازي لهذه الكلمة.
■ ما هو التغيير الذي تنتظرينه أو تريدينه في العالم؟
- أريد، وبلا مواربة، أن يحظى العالَم ولو بالقليل من الجحيم الذي يعيشه الغزّي اليوم، وأن يلقى القلّةُ الذين يحكمونه ويستفيدون منه لأجل مصالحهم المصير نفسه الذي تعيشه كلّ أمّ مكلومة وثكلى وكلّ شاب خسر فرصته للأبد في هذا العالم. لا أستطيع التفكير بتلك الموضوعية الرخيصة حول تحقيق السلام. في ظلّ ما يحدث أُريد أن أشهد العقاب والانتقام الذي يستحقّه هؤلاء السفلة.
■ شخصية إبداعية مقاوِمة من الماضي تودين لقاءها، وماذا ستقولين لها؟
- جيمس بالدوين. سأقول له بأنّني أريد اليقظة التي يفكّر بها حول العالم الأبيض والاستعمار، وكيف نجا من هذا كلّه.
■ كلمة تقولينها للناس في غزّة؟
- أنا أيضاً سببٌ في موتكم اليومي. لا شك بأنّني كذلك. ولن أستخدم خطاب "العجز" لتسويغ السلبية التي أتلقّى بها أخباركم كلّ يوم.
■ كلمة تقولينها للإنسان العربي في كلّ مكان؟
- يجب علينا أن نُحرّر عواصمنا العربية، هذا النضال أساسي لكي تتحرّر فلسطين.
■ حين سُئلت الطفلة الجريحة دارين البيّاع التي فقدت معظم أفراد عائلتها في العدوان، ماذا تريدين من العالم، أجابت "رسالتي للناس إذا بيحبوا دارين يكتبوا لي رسالة أو أي إشي".. ماذا تقولين لدارين ولأطفال فلسطين؟
- دارين، بتذكّرك كلّ وقت.. ومش رح أنسى.
بطاقة
كاتبة وصحافية عُمانية من مواليد 1992، درسَت الإعلام في الكويت ومسقط، وتعمل مقدّمة برامج إذاعية وتلفزيونية. نال كتابها "مدخل جانبي إلى البيت" منحة "صندوق آفاق للكتابة الإبداعية" وصدر عن "دار روايات" عام 2021.