مع غزّة: لنا عبد الرحمن

21 ابريل 2024
لنا عبد الرحمن
+ الخط -
اظهر الملخص
- الكاتبة اللبنانية المصرية تعيش حالة قلق وتأمل بسبب العدوان على غزة، مؤكدة على أهمية الهوية الفلسطينية وصمود الفلسطينيين كرمز للمقاومة والوجود.
- تأثرت بشكل كبير بالحرب، مما أدى إلى توقفها عن الكتابة الإبداعية وشعورها بالعجز، مع التركيز بشكل خاص على معاناة الأطفال والنساء وأهمية الذاكرة في مواجهة الحروب.
- ترى الكاتبة في العمل الإبداعي وسيلة لمقاومة الحرب وتسجيل الأحداث، معبرة عن رغبتها في عالم يسوده العدل والمساواة وتختتم برسالة أمل لأطفال فلسطين، مؤكدة على قوة الأحلام والقصص.

تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أيام العدوان على غزّة وكيف أثّر على إنتاجه وحياته اليومية، وبعض ما يودّ مشاركته مع القرّاء. "وضعَ العدوان على غزّة الإنسانيةَ على المحكّ وكشف زيف الشعارات"، تقول الكاتبة اللبنانية المصرية.



■ ما الهاجس الذي يشغلكِ هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟

- طوال الوقت أفكّر كيف يمكن إيقاف ما يحدث، وكيف بمقدور العالَم أن يُشاهد كلّ هذا الموت والدمار من دون أن يتحرّك لإنقاذ الأطفال والنساء وكل الأبرياء العزّل الذين يموتون بلا ذنب، سوى رغبة محتلٍّ في إبادة شعب بأكمله. لكن لا يمكن للهوية الأصلية أن تُباد أو تنتهي، لأنّها الكينونة الموجودة في هواء فلسطين، في ذرّات التراب، في اللهجة الفلسطينية، في الأغنيات، في أطباق الطعام، في غصن الزيتون، في شاطئ غزّة، في النساء اللواتي تجلس الواحدة منهن بجانب ركام بيتها، تحتضن طفلها وتقاوم الموت حتى اللحظة الأخيرة. لذا لو ظلّ فلسطيني واحد على هذه الأرض سوف تظلُّ فلسطين. لقد اعتاد الفلسطينيون على مواجهة عدوّ شرس، لكنّ العدوان على غزّة هذه المرّة هو الأكثر شراسة وقسوة، وقد وضع الإنسانية كلّها على المحك، وكشف زيف الشعارات.


■ كيف أثّر العدوان على حياتك اليومية والإبداعية؟

- منذ وقعت الحرب، توقّفت عن الكتابة الإبداعية، ما زلت أحسُّ بعجزٍ عن العودة إلى إيقاع الحياة السابق، أمارس مهام الحياة اليومية الضرورية وأنا أُدرك أنّ ثمّة شيئاً مروّعاً يحدث هناك. في كلّ نهار أتابع الأخبار وأنتظر وقوع معجزة تُوقف هذه المأساة. تشغلني كثيراً رؤية الأهالي الأبرياء، كيف يواجهون الحياة وسط كلّ هذا الدمار والموت والخراب. أفكّر في الأطفال كثيراً، في الأمّهات الثكالى، والنساء المنكوبات، والرجال العجائز والعزّل؛ ووسط كلّ هذا لا أستطيع منع ذكريات الاجتياح الإسرائيلي لبيروت التي عشتها في الماضي من أن تنثال في ذاكرتي بلا توقّف، مستحضرة معها معاناة بعيدة مرّت أثناء سنوات الطفولة، لذا أكثر ما يبكيني هُم الأطفال، لأنّي أعرف أنّهم لن ينسوا أبداً صوت القذائف والنيران وما عاشوه في الحرب، مهما تقدّم بهم العمر.


■ إلى أي درجة تشعرين أن العمل الإبداعي ممكنٌ وفعّال في مواجهة حرب الإبادة التي يقوم بها النظام الصهيوني في فلسطين اليوم؟

- "في البدء كانت الكلمة"، سوف يظلّ لأيّ عمل إبداعي قوّته في مواجهة حرب الإبادة، لأنّ الكلمة تعني الذاكرة. إنّه يسجّل ما يحدث الآن ليكون وثيقة مهمّة للغد، للأجيال القادمة. الحروب تنتهي، لكن الكلمات تبقى. ومن حكايات الصمود والمقاومة التي وصلت إلينا عبر الروايات والقصائد والأغنيات والأفلام تعلّمنا الكثير، ووثّقنا عرى مبادئنا وقناعاتنا، لذا علينا جميعاً أن نقاوم، كلٌّ بطريقته.

ما زلت أحسُّ بعجزٍ عن العودة إلى إيقاع الحياة السابق

■ لو قيّض لكِ البدء من جديد، هل ستختارين المجال الإبداعي أو مجالاً آخر، كالعمل السياسي أو النضالي أو الإنساني؟

- أنحاز إلى الكلمات، إنها اختياري الحقيقي للتعبير عن نفسي، ولمواجهة قبح العالم وغياب ضميره.


■ ما هو التغيير الذي تنتظرينه أو تريدينه في العالم؟

- أفكّر كثيراً في كلّ المفاهيم التي تتعلّق بالعدالة والمساواة، وأجد أنّها غائبة تماماً أمام ما يجري من موت ودمار في غزّة، وكأنَّ العالم كله معميٌّ عما يحدث. إنّنا نعيش الآن في عالم رأسمالي، متعولم، تسوده اللغة النفعية بصورة قاتلة، وهذا واضح في شتّى مسالك الحياة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ما أدّى إلى اختلال في موازين القيم الإنسانية والمبادئ الأخلاقية والرؤية الرحيمة لعلاقة الإنسان مع الإنسان ومع كلّ ما حوله من مخلوقات أُخرى. وإن لم يحدث أيّ تعقّل رشيد ينقذ الإنسان من شرّ نفسه، فإنَّ الطوفان قادم لامحالة وبأشكال مختلفة. خلال متابعتي لأحداث العدوان على غزّة، مرَّ خبرٌ يقول إنّ "إسرائيل"  تستعين بروبوتات للقيام بالاجتياح البرّي. مثل هذا الخبر يحكي الكثير عن الموت القادم الذي يهدّد الجميع، إن لم نتمكّن من إيقافه.


■ شخصية إبداعية مقاوِمة من الماضي تودين لقاءها، وماذا ستقولين لها؟

- "غاندي" شخصيّة إبداعية مقاوِمة، بسبب تفانيه في السعي نحو العدالة والحرية، إذ رغم استخدامه المقاومة السلمية، نجح في تحقيق العديد من الأهداف السياسية والاجتماعية، مثل استقلال الهند عن الاستعمار البريطاني. أحبُّ أن أسمع منه حكاية ليله الطويل، حتى أشرق صباح الحرية على بلده.

يظلّ لأيّ عمل إبداعي قوّته في مواجهة حرب الإبادة

■ كلمة تقولينها للناس في غزّة؟

- مع مرور كلّ يوم نتعلّم منكم الكثير، في كلّ التفاصيل التي تتعلّق بالحياة ومقاومة آلة الموت العشوائي أنتم السادة... أنتم الصامدون بنبلٍ، ترسلون حكايتكم إلى العالَم كلّه مع كلّ شهيد تسقط قطرات دمه على أرض الوطن، ومع دمعة كلّ طفل يتيم، وصرخة كلّ صبية تحكي بِلوعة عمّا شاهدته عيناها من فظائع الحرب.


■ كلمة تقولينها للإنسان العربي في كلّ مكان؟

- أدرك أنّك تقاوم بقلبك وعقلك وكلمتك، وقرارك بالمقاطعة. أدرك أنك تتمنّى من كلّ قلبك النصر لأهل غزّة، وأنك مكبّل وعاجز عن فعل أي شيء، لكن حسبي أنّك واعٍ لكلّ ما يحدث حولك. هذا أضعف الايمان في هذه المرحلة القاتمة.


■ حين سئلت الطفلة الجريحة دارين البيّاع التي فقدت معظم أفراد عائلتها في العدوان، ماذا تريدين من العالم، أجابت "رسالتي للناس إذا بيحبوا دارين يكتبوا لي رسالة أو أي إشي".. ماذا تقولين لدارين ولأطفال فلسطين؟

- يا دارين الغالية.. أنا أخاطبك من الغد، وأقول لك إنّك سوف تكبرين وتكونين فتاة قوية لديها أحلام كثيرة، تمسّكي بها ولا تدعي أحداً يدمّرها، سوف تكونين فتاة تحكي حكايتها للعالم، وتكون رسولة الطفولة لأجيال قادمة. هذا العدوان سوف ينتهي يوماً، لكن أنتِ وصديقاتك باقيات، لأنّكنّ الحقيقة النقية والمستمرّة.



بطاقة

كاتبةٌ وأكاديمية لبنانية مصرية من مواليد بيروت عام 1975، وتُقيم في القاهرة. من إصداراتها في القصّة: "أوهام شرقية" (2003) و"الموتى لا يكذبون" (2020)، وفي الرواية: "حدائق السراب" (2006) و"تلامس" (2008) و"ثلج القاهرة" (2018)، وفي النقد الأدبي: "نظرة أُخرى: الروائي والمخيّلة والسرد" (2017) و"شاطئ آخر: قراءات نقدية في الرواية العربية" (2019) و"متعة السرد والحكايا: إضاءة على روايات عالمية" (2020).

مع غزة
التحديثات الحية