استمع إلى الملخص
- بدأ اهتمامه بالترجمة من خلال تعلم الإنجليزية، ويواجه تحديات اقتصادية وصعوبات في النشر، مؤمناً بأن الحب هو الدافع الأساسي للترجمة.
- يختار معظم الكتب بنفسه ويراعي الاعتبارات السياسية في النصوص النثرية، مفضلاً الحرية في اختيار النصوص وترجمة الشكل والمضمون معاً.
تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم. "أمام ما يحدث من مجازر، رحتُ أترجم يوميات راشيل كوري التي دهسها بلدوزر إسرائيلي وهي تحاول منعه من هدم بيت فلسطيني في غزّة"، يقول المترجم العراقي لـ "العربي الجديد".
■ ما الهاجس الذي يشغلك هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟
- سلاح الكاتب كلمته. رغم أنّ ما جرى ويجري من مجازر ضدّ الشعب الفلسطيني أكبر من أن يُحتوى في قصيدة. لكنّني لا أستطيع أن أُسلّم بعجزي. قلت لنفسي لأُترجم شيئاً إذن، شيئاً يُلقي بعض الضوء على خلفيات ما يجري، مشاهد حيّة من داخل غزّة. فترجمت مقتطفات من يوميات راشيل كوري، الناشطة الأميركية التي قتلها سائق بلدوزر إسرائيلي بدهسها بجرّافته في غزّة في 16 آذار/ مارس 2003، حين كانت تحاول منعه من هدم بيت إحدى العائلات الفلسطينية. آمل أن تُنشر تلك اليوميات قريباً.
■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟
- اهتمامي بالترجمة من اهتمامي باللغة. وحتّى هذه اللحظة، لا أستطيع أن أتحدّث عن الترجمة دون أن أشمل اللغة بالحديث. الترجمة جزء من التمرينات التي كنتُ أقوم بها لتعلّم اللغة الإنكليزية. بعض ترجماتي الشعرية الأُولى حظيَ بإعجاب عددٍ من أصدقائي، فاقترحوا نشرها. وبعد أن نشرتُها أصبحتُ أُدعى مترجماً. أمّا أنا، فلا أعتبر نفسي مترجماً. الترجمة، بالنسبة إلي، كوّة أُطلّ منها على هذه الظاهرة الفريدة التي ينفرد بها الإنسان: اللغة.
■ ما آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟
- آخر ما نشرتُه من كتب مترجمة هو "البحث عن المتاعب" (2024)، عن "منشورات غاف" في الإمارات، وهو مختارات شعرية للشاعر الصربي - الأميركي تشارلز سيميك. أمّا آخر ما نشرتُه في الصحف والمجلّات فهو سلسلة "قصائد بين التاسعة والعاشرة مساء" للشاعر التركي ناظم حكمت، ترجمتُها عن الإنكليزية، ونُشرت في عدد أيلول/ سبتمبر 2024 من الملحق الثقافي لصحيفة "القبس" الكويتية. أنا متوقّف عن الترجمة الآن. وما يشغلني هو نشر ما سبق أن ترجمته، وليس في ذهني أي مشروع ترجمي للمستقبل.
■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟
- بالنسبة إلى مترجم الأدب، المشكلة الأُولى اقتصادية. على هذا المترجم أن يجد مهنةً يعيش منها أوّلاً، ثمّ يترجم إذا بقي لديه وقت. الترجمة الأدبية، في الغالب، عمل فرديٌّ، غير مدفوع الأجر، ولا تصلح لأن تكون مهنة يُعاش منها. وأنا لا أعتدّ بـ"المكافأت" التي تُدفع للمترجم. ثمّ تأتي مشكلة النشر. فللمترجم معاييره، وللناشر معاييره. وقد لا تتّفق هذه المعايير مع تلك. يسألني البعض: لماذا لا تترجم الكتاب الفلاني؟ وفي رأيي، يجب حذف كلمة "لا" من السؤال لكي يكون له معنى. لا يوجد سبب واحد، غير الحُبّ، يدفعني إلى ترجمة أيّ كتاب.
■ هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
- وجود المحرّر ظاهرة مألوفة في الغرب، وكذلك الضوابط التي تحكم العلاقة بين المحرّر والكاتب أو المترجم. ومنها ضرورة استحصال موافقة الكاتب أو المترجم على التعديلات التي يقترحها المحرّر. وما أترجمه إلى العربية لا أحد يُحرِّره. أمّا ما أترجمه إلى الإنكليزية، وهو قليل على كلّ حال، فنعم، هناك من يحرّره في الغالب. وأنا لا أجد غضاضة في عرض مخطوطات ترجماتي على صديق أثق به، لينبّهني إلى بعض الأخطاء اللغوية أو الطباعية التي تفوتني. وإذا لم أفعل ذلك، فلأنَّني لا أُحبّ أن أثقل على أصدقائي، لا غير.
■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
- كلّ الكتب التي ترجمتُها، باستثناء اثنين، كنتُ أنا من اختارها. الكتب الأُخرى التي رشّحها ناشرون، أو رشّحها أصحابها، اعتذرت عن عدم ترجمتها. الكتاب الأوّل الذي اختاره الناشر هو "شعرية التأريخ الإسلامي"، وقد ترجمته عن الإنكليزية. أمّا الثاني فقد ترجمته من العربية إلى الإنكليزية وهو "Salah Faik: Selected Poems". والناشر، عموماً، ينظر من زاوية مختلفة عن تلك التي ينظر منها الكاتب أو المترجم. فالناشر، بحكم موقعه، أعرَفُ بالقوانين المتعلّقة بحقوق النشر، وكذلك بحجم الطلب على الكتب.
■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمها، وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
- في النصوص النثرية غير الإبداعية، نعم هناك اعتبارات سياسية. ومثال ذلك ما ذكرتُه في بداية حديثي عن يوميات راشيل كوري. لكنّني لم أترجم كتباً نثرية، باستثناء "شعرية التأريخ الإسلامي". وفي ترجمتي للشعر أحاول ألا أدع الاعتبارات السياسية تتدخّل في اختياري. فمثلاً، ترجمتُ لفرناندو بيسوا ذي النزعة القومية المحافظة، وترجمت لناظم حكمت الشيوعي الذي أمضى معظم عمره بين السجون والمنافي، مثلما ترجمت لنيكانور بارّا الأقرب إلى الفوضوية. بل وترجمت لشعراء لا أحبُّ شعرهم، مثل أوكتافيو باث.
■ كيف علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟
- لا تربطني علاقات شخصية بالكتّاب الذين ترجمتُ لهم. كان في ودّي أحياناً لو استطعت مكاتبة بعضهم لأستفسر منهم حين يلتبس عليّ ما يقصدونه. لكنّني وجدت مثل هذا الأمر مُكلفاً في الوقت والجهد. وهو، في محصّلة الحسابات، خسارة أكثر منه ربحاً. فقد كانت ردود بعضهم بطيئة جدّاً، أو جاءتني بعد أن استغنيت عنها، هذا إذا ردّوا أصلاً. أمّا إذا كان المقصود بالسؤال العلاقات غير الشخصية، فأنا أحرص على معرفة سيرة الكاتب الذي أترجمه وآرائه وآراء النقّاد فيه وغير ذلك.
■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
- ما فهمته من السؤال هو أنّ المترجم - غالباً دون أن يقصد ذلك - قد يُسقط أسلوبه هو على الكاتب الذي يترجمه، فيصبغه بصبغته، ويجعله يتكلّم مثله. وما يمكنني قوله في هذا الصدد أنَّني مدركٌ للمشكلة، وأحاول أن أحدّ منها، لكنّني لا أستطيع أن أضمن نجاح المحاولة. ولعلّ القارئ الفطن، أو الناقد، يجد نفسه في موقع أفضل يُمكّنه من ملاحظة نجاح أو إخفاق المترجم في هذا الأمر في مقدار الشبه أو الاختلاف بين الكتّاب المختلفين الذين يترجمهم المترجم.
■ كيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
- لا أعرف الكثير عن جوائز الترجمة العربية، ولم أحاول ترشيح نفسي لجائزة. لكن الجوائز التي يكثر الحديث عنها اليوم هي تلك التي تُمنح في بعض البلدان الخليجية. لا أسمع الكثير عن جوائز تُمنح في العراق، أو سورية، أو مصر، رغم أنّني لا أستبعد وجودها. ولكن يبدو لي أنّ شهرة الجائزة مقترنة لدى الكثيرين بمبلغ الجائزة أساساً. وماذا عن المعايير الأخرى؟ أعتقد أن أهلية من يُمنح الجائزة تأتي، أوّلاً، من أهلية من يمنحها.
■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظر إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟
- الترجمة، والكتابة عموماً، كانت دائماً بالنسبة إليّ مشروعاً فردياً، ولم أكن في حياتي كلّها قريباً من أيّة مؤسّسة، ترجمية أو غيرها. ولهذا فأنا جاهل جهلاً تامّاً بمشاريع الترجمة المؤسّساتية.
■ ما المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها مترجماً، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟
- أهمّ مبدأ عندي في الكتابة الإبداعية، وفي الترجمة الأدبية ضمناً، هو الحرية، أن أختار لا أن يُختار لي. وعند اختياري للنصّ الذي أُترجمه، آخذ في اعتباري أمرَين: أهمّية النص، وقابليته للترجمة (كم سيخسر عند ترجمته؟). وأنا أفترض، قبل هذا كلّه، أنّني فهمت النصّ. فأنا لا أترجم ما لا أفهم. وترجمة العمل الإبداعي، وخصوصاً الشعر، هي في رأيي ترجمة للشكل والمضمون، لا للمضمون وحده. ولأنّني أعتبر اللغة نظاماً من الأصوات (لا كتابة)، فغالباً ما أقرأ ما ترجمته بصوت مسموع.
■ كتاب أو نصّ ندمت على ترجمته ولماذا؟
- لم أندم على ترجمة كتاب، لكنّني أتمنّى لو لم أكن اضطُررتُ ذات يوم لأن أتقاضى ثمناً عن ترجمتي لكتابين ذكرتُهما سابقاً. فالثمن الذي يتقاضاه مترجم الأعمال الأدبية رمزي، رغم كونه مادياً، إذا قورن بكميّة الجهد والوقت الضروريين لإنجاز عمل ترجمي جيّد. والأعمال التي يقبض عنها المترجم ثمناً هي عادةً أعمال يرشّحها الناشر، وهذا الأمر يحدّ من حرّية المترجم في الاختيار، رغم أنّ في وسع المترجم أن يرفض طبعاً. واللوم لا يقع على الناشر، فللناشر ظروفه أيضاً. والمسألة، في آخر الأمر، ترتبط بسوق الكتاب.
■ ما الذي تتمناه للترجمة إلى اللغة العربية وما حلمك باعتبارك مترجماً؟
- كان في ودّي لو أترجم مختارات من الشعر الأفروأميركي، إذ يبدو لي أنّ المكتبة العربية تفتقر إلى مختارات كهذه. وهناك الكثير ممّا يستحقّ الترجمة طبعاً. كلّ ما أتمنّاه الآن هو أن أنشر ما تبقّى من مخطوطاتي الترجمية لكي أتفرّغ للكتابة.
بطاقة
مترجم عراقي من مواليد البصرة عام 1954، ويقيم في الولايات المتّحدة. حاصل على دكتوراه في الدراسات الأدبية والحضارية من "جامعة ممفيس". من ترجماته: "شعرية التأريخ الإسلامي" (2016)، و"نيكانور بارّا: قصائد مضادّة" (2021)، و"راعي القطيع" (2023) لفرناندو بيسوا، و"شموع" (2023) لقسطنطين كفافي، و"مواعظ وخطب مسيح إلكي" (2023) لنيكانور بارّا، و"البحث عن المتاعب: مختارات شعرية" (2024) لتشارلز سيميك.