استمع إلى الملخص
- تغطي الدراسة كيفية إجراء المسوحات الاقتصادية والتعدادات السكانية، وتأثيرها على السياسات الاقتصادية والاجتماعية، مع التركيز على الفترة خلال الحرب العالمية الأولى.
- يناقش الكتاب موضوعات مثل الإصلاح المالي، توحيد الأوزان والمقاييس، وتطوير إحصاءات الأراضي، مؤكدًا على أهمية الإحصاء في صنع السياسات والتفاوض خلال الأزمات.
في كتابها "إحصاء مصر: الدَّين العام وسياسات القياس الكمّي في العصر الملكي (1875 - 1922)" الذي صدر حديثاً عن "المعهد الفرنسي للآثار الشرقية"، تضيء ملك لبيب تاريخ الإحصاء والقياس الكمّي وتأثيره في الاقتصاد المصري خلال فترة حرجة شهدت أزمات كُبرى واختلفت حولها التقييمات ووجهات النظر.
تعود الباحثة المصرية المتخصصة في تاريخ مصر الحديث إلى منتصف سبعينيات القرن التاسع عشر، حيث عانت مصر من أزمة مالية كبيرة فتحت الباب أمام الاحتلال البريطاني للبلاد عام 1882، إبّان حكم الخديوي إسماعيل الذي أغرق البلاد بالديون من البنوك الأوروبية حتى عجزت عن السداد، ما دفع حكومتَي بريطانيا وفرنسا إلى إرسال لجنة للإشراف على مالية مصر سنة 1876، ليبدأ تدخّلهما الفعلي في شؤونها الداخلية.
تدرس لبيب المرحلة التي وُضعت فيها مصر تحت الإشراف المالي الدولي، في سياق أزمة الديون، وقام خلالها مبعوثون ودبلوماسيون ومصرفيون أوروبيون بإجراء مسوحات وتحقيقات تهدف إلى التعرّف على مواردها الاقتصادية، لتُشكّل هذه البيانات نقطة انطلاق لاستكشاف تاريخ الإحصاءات والتعدادت السكّانية على نطاق أوسع في عصر العولمة المالية الأُولى.
يستكشف الكتاب كيف يصبح تقييم الموارد العامة، في سياق الأزمات، مسألة تخضع للمفاوضات والصراعات
من جملة هذه البيانات تقريرُ التعداد العامّ للسكّان في مصر لسنة 1917، الذي أشرفت عليه سلطات الاستعمار البريطاني، وتضمّن إشارات إلى نظر فئات عديدة، وخصوصاً الفلّاحين، إلى عمليات التعداد بعين الريبة، رغم أنّه لم يكن أوّل تعداد للسكّان، إذ شهدت مصر تعدادات سابقة كان أوّلها عام 1848، ولكن الظروف المحيطة بتعداد سنة 1917 كانت استثنائية.
وتوضّح لبيب أنّه، مع بداية الحرب العالمية الأُولى عام 1914، أُعلنت الحماية على مصر، وترتّب عن ذلك توسُّع أشكال تدخُّل سلطة الاحتلال في الجوانب المختلفة من حياة المصريّين، ما بين تعبئة العمالة للمشاركة في المجهود الحربي واستحواذ على الإنتاج الزراعي. ولعبت الإدارة المركزية للإحصاء، التي كانت قد أُنشئت قبل ذلك ببضع سنوات (بالتحديد في 1905)، دورياً مركزياً في مسح الموارد وتعبئتها.
كما تركّز، باستخدام لغة الأرقام، على المناقشات التي شهدتها تلك الفترة حول الميزانية والإصلاح الضريبي، مع تبيان الجهات الفاعلة وكيفية صنع هذه الأرقام والتعامل معها، وكيف يصبح تقييم الموارد العامّة في سياق الأزمات مسألةً تخضع للمفاوضات والصراعات، حيث تتقاطع المشاكل الفنّية والسياسية، بهدف وضع الحالة المصرية ضمن التاريخ العابر للحدود الوطنية للإحصاءات والقياس الكمّي.
يضمّ الكتاب ستّة فصول، هي: "المصرفيون والدبلوماسيون والمفوضون: التحقيقات المالية الأوروبية (1875 - 1878)"، و"إصلاح الحسابات: الخلافات السياسية والتنافس بين الإمبراطوريات (1876 - 1882)"، و"ما المعيار؟ توحيد الأوزان والمقاييس والعملات (1882 - 1905)"، و"معادلة الضرائب.. تطوير إحصاءات الأراضي والزراعة (1882 - 1905)"، و"ولادة مؤسّسة متخصّصة: ما هي سياسة المعلومات الإحصائية (1905 - 1922)؟"، و"الإحصاء والمعرفة الاقتصادية: الاستخدامات الجديدة للرقم (1905 - 1922)".
يُذكر أن ملك لبيب تحمل درجة الدكتوراه من "معهد بحوث العالم العربي والإسلامي" في "جامعة إيكس مرسيليا" الفرنسية عن أطروحتها حول تاريخ الإحصاء ونشأة العلوم الاقتصادية في مصر في فترة الاستعمار البريطاني، وأصدرت دراسة بعنوان "نسيج التنمية: الخبرة العابرة للحدود الوطنية وسياسات التخطيط الاقتصادي في مصر (1941 - 1965)".