رغم الأدوار البارزة التي أدّتها كثيراتٌ منهن، فإنَّ اهتمام المؤرّخين بالمرأة الجزائرية يبدو أقلّ مِن ذلك الذي يحظى به الرجل، وهو أمرٌ قد يُفسَّر، من وجهة نظر نسوية، بهيمنة النزعة الذكورية على كتابة التاريخ، وما يدعم هذا الرأي هو أنَّ معظم مَن يكتب التاريخ هُم رجال. لكن قد يكون لطبيعةِ تلك الأدوار علاقةٌ بذلك أيضاً؛ إذ قليلاً ما وصلت المرأة إلى مراكز قيادية.
يأتي معرض "المنسيات في التاريخ"، الذي افتُتح في الثامن عشر من كانون الأوّل/ ديسمبر الماضي في "حصن 23" بالجزائر العاصمة وتواصل حتى أمس السبت، بتنظيم من مجلّة "باب الزمان" الثقافية، كمُحاولةٍ للإضاءة على نساء من أزمنة مختلفة "منسيات" في الذاكرة الجزائرية؛ من خلال عرضِ بورتريهاتٍ لهنّ مرفقة بسَير موجزة عنهن.
لكنَّ هذا النسيانُ يتّخذ درجات متفاوتة؛ فبعض نساء المعرض التوثيقي معروفاتٌ جدّاً وخصهُنّ المؤرّخون بكتابات كثيرة، كما هو الأمر بالنسبة إلى الملكة الأمازيغية ديهيا المعروفة باسم الكاهنة، والتي عاشت في القرن الثامن الميلادي، بينما لا تُذكَر بعضهنّ إلّا في سياق الحديث عن حادثة معيّنة، وفي الغالب دون توقُّف مطوَّل عند أسمائهن"، كما هو الأمر بالنسبة إلى مجموعةٍ من المعلّمات اللواتي اغتالهنّ الإرهاب خلال "العشرية السوداء".
ليست "الكاهنة" مجهولةً أو منسية بالمقارنة مع أمينة ديش، وعزيزة تونسي، وخيرة بوداود، ورشيدة بوترعة، وزهرة مهدان، وفطيمة بوهند، ومحمدية فليو، ونعيمة لوهاب، وحفيظة لنفاد، وخيرة شيريد، وسحنونية بواعلي حنفي، وهنّ إحدى عشرة معلّمةً اغتالتهنّ مجموعةٌ إرهابية في أيلول/ سبتمبر 1997 بينما كنّ عائداتٍ إلى منازلهن على متن حافلة في إحدى قرى ولاية سيدي بلعبّاس غرب الجزائر. كان ثمّةَ معلّمٌ واحدٌ معهُنّ اسمُه صابر الحبيب، نقرأ اسمه إلى جانب أسمائهنّ.
يُضيء المعرض أيضاً على أوروبيات مناهضات للاستعمار الفرنسي
تمتدُّ مسافة المعرض الزمانية، إذن، من العصور القديمة وصولاً إلى الزمن الحديث، وبينهما محطّاتٌ برزت فيها أسماءُ نساء مثل لالّة فاطمة نسومر (1830 – 1863)؛ إحدى أبرز قائدات المقاوَمات الشعبية ضدّ الاستعمار الفرنسي خلال القرن التاسع عشر، ونفيسة حمّود (1924 - 2002)؛ المناضلة في الثورة التحريرية، ونبيلة جحنين؛ الناشطة النسوية اليسارية التي اغتالها الإرهاب في تيزي وزّو عام 1995، ورشيدة حمادي؛ الصحافية التي اغتالها الإرهاب، رفقة شقيقتها حورية، في الجزائر العاصمة في العام نفسه.
في المعرض أيضاً أوروبيات مناهضات للاستعمار؛ مثل ريموند بيشار (1925 - 1957)، وإيفلين سفير لافالات (1927 - 2014) التي ناضلت ضدّ الاستعمار وعاشت في الجزائر إلى غاية رحيلها، وإميلي بوسكان (1901 - 1953)؛ المناضلة الفرنسية ضدّ الاستعمار الفرنسي، والتي ارتبط اسمُها بزوجها مصالي الحاج (1898 - 1974) المعروفِ باسم "أبو الحركة الوطنية الجزائرية".
يحضُر الرجالُ في المعرض أيضاً؛ فحين نصل إلى صورة المناضلة في ثورة التحرير الجزائرية، عزّة بوزكري (رحلت عام 2017)، سيلفتنا عنوان سيرتها الموجَزة: "أرملة الشهيد عبان رمضان". هنا، تُعرَّف المرأةُ، التي بدأت نضالها عام 1949 في "جمعية النساء المسلمات الجزائريات" وانضمّت إلى الثورة عند انطلاقها، بصفتها زوجةَ مناضل بارز، لا بصفتها الشخصية ودورها في الثورة. لكنَّ ذلكَ، وإنْ كان غير مقصودٍ على الأرجح، سيُثير انتباهنا إلى أنّ كثيرين منّا يعرفون المناضلَ الرجل، ويجهلون المناضلة المرأة.