رغم محاولات التنشيط الرسمي لمدينة أسوان، مثل معظم مدن مصر، حيث اختيرت المدينة الواقعة جنوب البلاد، على سبيل المثال، "عاصمةً للاقتصاد والثقافة الأفريقية" في عام 2018، غير أن هذه المحاولات ظلّت تحتفظ بطابع موسمي مؤقّت، ولم تأخذ شكل التنظيم النوعي المستدام الذي يعمل على ترسيخ الفعل الثقافي فيها.
وجودُ أهمّ الآثار الفرعونية فيها جعلّ من مدينة أسوان واحدةً من أكثر المدن المصرية النشطة سياحياً؛ حيث سجّلت في 2018، مثلاً، زيارة قرابة تسعة ملايين سائح من مختلف بلدان العالم، بحسب تقرير نشرته "منظّمة السياحة العالمية". لكن، ورغم ذلك، لم تتمكّن الخُطَط التنموية الرسمية من تقديم مشاريع ذكية تروّج للثقافة أو تستفيد من السياحة في تفعيل القطاع الثقافي للمدينة التي يُقام فيها، بجهود فردية، "سمبوزيوم أسوان للنحت" بشكل سنوي.
قبل أيام، أعلنت وزارة الثقافة المصرية عن تحويل النصف الأمامي من ميدان محطّة أسوان، الذي يُطل على كورنيش النيل، إلى ساحة مفتوحة لمختلف الفنون التي ينفرد بها تراث المنطقة؛ بحيث تشمل الفنونُ المعروضة الفنونَ الشعبية وعروض الرقص والفنون البصرية من تشكيل ونحت وتصوير فوتوغرافي.
وتقابل الساحةُ المحطّةَ التي جرى تشييدها في العام 1898، خلال فترة الخديوي عباس الثاني، لتكون صلة وصل بين القاهرة وأقصى الجنوب المصري، وتُعد هي بحدّ ذاتها معلماً تاريخياً بارزاً.
كل هذه الإمكانيات التي بمقدورها أن تجعل من المدينة مركزاً ثقافياً، مثلما هي مقصدٌ سياحي، لم تُفلح في تحويل اهتمام الدولة نحوها أو الحفاظ حتى على مساعي الفنّانين الفردية في تجميلها؛ فقبل أسابيع، كتب الفنّان والنحّات المصري عصمت داوستاشي على صفحته في فيسبوك منشوراً تحدّث فيه عن تدمير عمل نحتي له من أجل توسعة الميدان، متطرّقاً إلى الوضع الذي تعيشه المدينة بشكل عام.
يقول داوستاشي "يبدو أنَّ مبنى محافظة أسوان ليس به أحد. لا محافظ ولا سكرتارية ولا موظّفين ولا احترام للآخرين. لقد كتبتُ هنا وكتب أفاضل آخرون، واتّصل بي مشكوراً المهندسُ محمد أبو سعده، رئيس التنسيق الحضاري، وعرف منّي حكاية تحطيم عملي النحتي "سفينة الأسرار" لصالح تطوير ميدان المحطّة في مدينة أسوان.. وأخبرني بأنه سيُكلّم المحافظ لنقل التمثال إلى مكان آخر دون تحطيمه وشكرته. ولكن لا المحافظ ولا من معه ردّ على رسائلنا... هُم من البداية اتّصلوا بنا ليطلبوا رأياً في تمثالي الذى يعيق تطوير الميدان بعد عشرين عاماً من وجوده هناك... المهم هو خراب فى خراب".
من جهة، تقول وزارة الثقافة إنها تريد رعايةَ الفنون في أسوان وتوفير مساحة للفنّانين الشباب من راقصين وتشكيليين ونحاتين وسط المدينة، ومن جهة ثانية يجري تحطيم التمثال الذي نشر داوستاشي صورة للنحات آدم حنين وهو يدفعه من ورشة العمل، معلّقاً: "من أظرف الصور لآدم حنين وفنّاني سميوزيم أسوان الدولي للنحت وهم يدفعون "سفينة الأسرار" من أمام ورشة العمل بفندق "نسمة" إلى المجهول.. وحياتنا في مصر صارت إلى المجهول".