لو نظرنا إلى التاريخ السياسي المُعاصر لبلد مثل لبنان، لوجدنا أنّ الجريمة السياسية كانت جُزءاً من هذا المشهد المُركَّب. وصحيحٌ أنّ وتيرة هذه الظاهرة ازدادت في فترة الحرب الأهلية (1975 - 1990)، إلّا أنها لم تتوقّف حتى بعد انتهاء الحرب، بل طالت الكثير من السياسيِّين والمثقّفين والصحافيّين. من جهتها، أخذت الفنون - على تنوّعها - موقفاً مُناهضاً لهذه الجرائم، لما رسّخته من "ثقافة العنف" في البلاد.
ضمن هذا الإطار، تُطلق "مؤسّسة لقمان سليم"، وبالتنسيق مع "مركز مينا للصورة" في بيروت، بعد غدٍ الإثنين، النسخة الأُولى من "مهرجان ميزان السينمائيّ" المُخصَّص لأفلام وثائقية ودرامية تتناول موضوعة الجريمة السياسيّة، ويتزامن إطلاقُ المهرجان مع "اليوم العالميّ للعدالة الدولية"، وتتواصل العروض حتى يوم الأربعاء المُقبل.
تُفتتح التظاهرة بالفيلم الوثائقي "مشروع كارتل" (2021)، للمخرج جول جيرودا، الذي يتناول مسألة تصفية الصحافيّين الاستقصائيّين في المكسيك، حيث اُغتِيلَ حوالي 200 إعلاميّ خلال العَقدين الأخيرَين. يندرج الفيلم ضمن مشروع "القصص المحظورة" الذي يتتَبَّع فيه صحافيّون وصحافيّات من حول العالم، قضيّة اغتيال زميلتهم المكسيكية رجينا مارتينز، سعياً لحلّ لُغز مقتلها واستكمال مسار التحقيقات. هذا ويتبع العرض نقاشٌ موسَّع مع عدد من الصحافيّين والسينمائيّين حول موضوع استهداف الإعلاميّين، ودَور الإعلام والسينما في التصدّي لهذه الظاهرة.
ويُستكمل المهرجان، أمسية الثلاثاء، إذ يُعرَض فيلمان يُعنيان بمسألةٍ اغتيال النساء سياسياً. يحمل الشريط الأول عنوان "رسالة إلى أختي" (2006)، تتتبّع فيه المخرجة الجزائريّة حبيبة جحنين خُطى أختها نبيلة جحنين الناشطة اليسارية والنسوية.
أمّا الفيلم الوثائقي الثاني فبعنوان "مالطا: باسم دافني" (2021) للمخرج جول جيرودا. يبحث الشريط في اغتيال الصحافيّة المالطيّة دافني كاروانا غاليزيا، والتي قضت عام 2017 في تفجيرٍ مُفخَّخ، وترك مقتلُها أثراً بالغاً في الرأي العامّ الأوروبي، إذ كانت قد كشفت قُبيل مقتلها عن قضايا فساد طالت مسؤولين كبار. يلي هذين العرضَين نقاشٌ يتطرَّق إلى مسألة استهداف النساء وكيفيّة مقاربتها سينمائياً.
هذا وتُختَتم التظاهرة، يوم الأربعاء، بفيلمَين. حيث يُعرض شريط "في يوم من أيام العنف العاديّ: صديقي ميشال سورا" (1996)، والذي أنجزه المخرج السوريّ عمر أميرالاي (1944 - 2011)، بعد عشر سنوات من إعلان مقتل الباحث الفرنسي. ويُشكّل الفيلم وثيقةً تاريخية وسينمائية تتجسّد فيها قُدرة المُخرج على استنباط سردٍ سينمائيٍّ في موضوعٍ بالغ القسوة. يلي العرض حوارٌ حول سينما أميرالاي، وحقبة الثمانينيات في لبنان وما شهِدَتُه من اغتيالات سياسية.
على أن يُختَتم المهرجان بفيلم "زِد" (1969)، للمخرج الفرنسيّ من أصلٍ يونانيّ كوستا غافراس، وهو استعادة درامية للأحداث المُحيطة بمقتل السياسي اليوناني غريغوريس لامبراكيس، والذي اغتاله اليمين المتطرّف عام 1963.