ناصر السعدي.. عن العلماء والسلطة في التاريخ العُماني

15 سبتمبر 2022
ميناء مسقط نهاية القرن التاسع عشر
+ الخط -

في كتابه "العلماء والسلطة في عُمان: 1749 - 1913"، الذي صدر حديثًا عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، يبيّن الباحث العُماني ناصر بن سيف السعدي أن هناك نزعة سياسية ترسّخت تاريخيًّا لدى العلماء والفقهاء في عُمان، وهي أن أمر الحكم والسلطة هو أساسًا عند العلماء، ولا يخرج عن دائرتهم، إلا إذا أعطوا مشترك أدائهم لواحد منهم، يختارونه قويًّا عدلًا، وكانوا يقولون: "صار أمر عمان في أيدي علمائها منذ قديم الزمان". 

وبناء على هذه النزعة السياسية التي تسعى إلى ترسيخ مبدأ الحق السياسي، ظلوا يدافعون عن هذا الحق. يحاول الكتاب فهم عوامل تلك النزعة، والأساس النظري الذي تستند إليه، وفهم مسار العلاقة السياسية بين العلماء والسلطة في التاريخ العماني منذ منتصف القرن الثامن عشر وحتى مطلع العقد الثاني من القرن العشرين.

ويوضّح الكتاب أن الممارسة السياسية في عُمان منذ أول إمامة إباضية عام 132ه/ 749م، تستند إلى قواعد الفكر السياسي للمذهب الإباضي وإلى أسس هذا المذهب. بناء عليه، وُضِعت الأطر التي تحكم العلاقة بين العلماء والسلطة السياسية، وهي أطر مستمدة من مبادئ الإسلام، وآثار السابقين من الأئمة والعلماء. ولا يمكن فهم تاريخ العلاقة ومسارها التاريخي إلا بالعودة إلى مبادئ المذهب الإباضي، وقواعد السلطة السياسية وأسس شرعيتها، والغاية من ذلك فهم طبيعة العلاقة بين التنظير والواقع التاريخي.

غلاف الكتاب

ويشير إلى أن من أهم الإشكاليات السياسية التي واجهت عُمان عبر فترات زمنية متعاقبة، إشكالية طُرق تداول الحكم وانتقاله من حاكم إلى آخر. ومع قيام دولة اليعاربة عام 1034ه/ 1624م، ساد نوع من التوافق النسبي بشأن طريقة انتقال الحكم، واستمر حتى وفاة الإمام سلطان بن سيف اليعربي عام 1131ه/ 1719م، لتدخل عُمان بعد هذا التاريخ في نزاعات سياسية بشأن من يخلفه في الحكم، استمرت حتى مبايعة الإمام أحمد بن سعيد بالإمامة عام 1162ه/ 1749م؛ إذ عقد للأخير جملة من العلماء والفقهاء وبايعوه إمامًا. إلا أن طرق تداول الحكم بعد وفاته واجهت إشكالًا، وتراجَع دور العلماء، ولم يُعتمَد الاختيار والبيعة والعقد أساسًا للوصول للحكم؛ ما أدى إلى تفجر النزاعات، وظهور الادعاءات من هذا الطرف أو ذاك، بأحقيته في الحكم.

ويبيّن المؤلّف بأن فهم آراء العلماء السياسية يتطلب مناقشة الأكثر انشغالًا منهم بالسياسة، وذلك بناء على الاعتبارين الآتيين؛ أولًا: حجم التأثير والمكانة العلمية والسياسية، ثانيًا: الدور السياسي، وخصوصًا دور الذين كانت لهم مواقف سياسية بارزة تجاه الأوضاع السياسية بشكل عام. وهم أربعة علماء: الشيخ جاعد بن خميس الخروصي، والشيخ سعيد بن خلفان الخليلي، والشيخ صالح بن علي الحارثي، والشيخ عبد الله بن حميد السالمي، المعروف بنور الدين السالمي.

ويلفت إلى أنه لا يوجد مظهر واحد للعلاقة التي سادت بين العلماء والسلاطين، ولم تكن العلاقة راسخة في الحالات كلها، إنما قد يسود الوئام أحيانًا، ويتحول إلى صدام أحيانًا أخرى. ومن أسباب هذا التأرجح في العلاقة، سبب يعود إلى المبدأ الفقهي المترسّخ في فكر المذهب الإباضي، والذي ينظر دائمًا إلى علاقة الفقيه والعالم بالسلطان نظرة الشك والريبة، وهذا من الآثار الفقهية التي حضرت كثيرًا في نصوص العلماء والفقهاء الذين عاشوا خلال الفترة الممتدة من أواخر القرن الثامن عشر حتى النصف الأول من القرن التاسع عشر؛ إذ يحذّر الشيخ سعيد بن أحمد الكندي من التقرّب إلى السلطان، بقوله: "من ازداد من السلطان قربًا ازداد من الله بُعدًا"، وليس الكندي وحده من حذَّر من ذلك، بل ورد كثير من النصوص لعلماء عاشوا في الفترة ذاتها؛ أمثال الشيخ جاعد بن خميس الخروصي، وابنه ناصر، وسعيد بن خلفان الخليلي، والشيخ نور الدين السالمي، وغيرهم من العلماء.

المساهمون