أعلنت أم كلثوم نجيب محفوظ، ابنة صاحب "نوبل"، نهاية آب/ أغسطس الماضي، عن إعدادها لكتاب جديد يضمّ مذكرات لوالدها تُنشر للمرّة الأولى بخطّ يده، مُشيرةً إلى أنها لا تزال تدرس عروضاً مقدّمة من دور نشر عديدة لإصدار العمل الذي بدأت العمل عليه منذ عامين.
ولطالما أثارت ابنة محفوظ الجدل في مواقف سابقة تتعلّق بمقولاتها حول تعرّض إرث صاحب "أولاد حارتنا" (1911 – 2006) للإهمال، أو دفاعها عن أغلفة رواياته التي تمّ تصميمها مؤخّراً بعد انتقادات وصفتها بعدم تناسب الشكل والألوان مع مضمون الروايات، أو حتى في سجالاتها حول حقوق نشر أعمال محفوظ وتحويلها إلى مسلسلات تلفزيونية.
تستطلع "العربي الجديد" آراء ناقدات مصريات حول المذكّرات المنتظَر صدورها تحت عنوان "أبي نجيب محفوظ"، والتي تحرّرها الصحافية منة الله الأبيض، بعد تصريحات أم كلثوم التي قالت فيها: "بين سطور كتابي، أحاول أن أقدّم شهادة للتاريخ، أرفع الظلم عن نجيب محفوظ الإنسان وأسرته".
حول خصوصية هذه الشهادة وسياق نشرها، تلفت الناقدة وأستاذة الأدب الأندلسي، سحر محمد فتحي، إلى أن "حياة المبدعين لغزٌ له سحره الخاصّ لدى جمهورهم من القراء، يتطلّع القارئ إلى حلّه ويستثيره الكشف عنه؛ من هنا تكتسب المذكّرات رونقها الخاصّ، فما بالنا إنْ تعلّق الأمر بنجيب محفوظ بما له من مكانة وشهرة وإبداع، وما عايشه من سياقات ثقافية وسياسية واجتماعية ودينية؛ لذا فإعلان ابنته عن نشر كتاب لها حول أبيها يمثّل حدثاً مهمّاً في الساحة الثقافية ويحظى بمساحة عالية من الاستقبال".
عُثر على مذكراته الوحيدة التي كتبها بخط يديه مصادفة
وتستدرك قائلة: "بَيْد أن تجربة نشر المذكّرات تظلّ تجربة محفوفة بالمخاطرة، ذلك أنها تخترق منطقة اللغز والفجوات التي يملؤها ويشكّلها القارئ بمخيّلته عن كاتبه، تلك المنطقة الغامضة التي تتمثّل في حياة الكاتب الشخصية وما تستلزمه من جوانب وعلاقات متعددة. وهنا تكمن خطورة المذكّرات: فرغم كونها ستقوم بملء الفجوات وإظهار جوانب ذات أهمّية في حياة الكاتب، إلّا أنها تظلّ واقعةً في إشكالية التلقّي".
وتتساءل فتحي: "إلى أيّ مدى ستتوافق المذكّرات مع أفق توقّعات القرّاء، فتحظى بالقبول وتدعم العلاقة بين الكاتب والمتلقّي ومن ثم إبداعه، أو، على الجانب الآخر، تُظهر ما قد يصدم القارئ في ما كوّنه من صورة مسبقة عن كاتبه، ممّا ينعكس سلباً في تعامله مع إبداعه وفصله بين الشخصي والإبداعي؟". وتضيف: "لا تنفي هذه المخاطرة ما يمكن أن تمثّله هذه المذكّرات من أهمّية تظلّ محلّ ترقّب في ما ستقدمه وتحمله من رؤى للقارئ".
تركّز المذكّرات الجديدة على علاقة صاحب رواية "زقاق المدقّ" بزوجته وأسرته، ما يضعها في محلّ مقارنة مع أعمال سابقة في هذا السياق، كما تُبيّن الناقدة والباحثة غادة كمال سويلم، التي تقول لـ"العربي الجديد": "هذه ليست المرّة الأولى التي تُنشر فيها مذكّرات نجيب محفوظ، فقد سجّلها بنفسه في حوارات ممتدّة مع الكاتب رجاء النقّاش، مُعَرِّجاً على الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية في تلك الحقبة الزمنية، وقد أعدّها النقّاش وأصدرها في الذكرى العاشرة لحصول محفوظ على جائزة نوبل للآداب".
قد نكون أمام مذكّرات للابنة أكثر من كونها مذكّرات للكاتب
وتُتابع: "ربما ستقدّم مذكرات أم كلثوم عن والدها بُعداً آخر يتّصل بصورة الأب والزوج وربّ العائلة، وربما تعطينا صورة بانورامية لحقبة زمنية أخرى من حياته، إضافة إلى الحقبة التي تطرّق إليها كتاب النقّاش. والقول بأهمية ذلك من عدمه رهين المنتج النهائي وما يقدّمه من إضافات ثقافية وإنسانية قد تكون ملهمة وكاشفة، وربما تكون دافعة للأجيال الجديدة من القرّاء لقراءة أدب نجيب محفوظ وأدب معاصريه".
وتختم سويلم بالإشارة إلى مخطوطات الكاتب المصري التي ستُنشر في الكتاب، "سواء كانت مسوّدات لأعماله أم مذكّرات، فستبقى قيمتها الأثرية وتزداد مع الزمن. أمّا قيمتها التاريخية، فستظلّ محدودة برؤية نجيب محفوظ لأحداث عصره التي تكشف عنها أعماله بجلاء ما لم تتعرّض لمقصّ الرقيب. ومهما طاوله من شائعات أو ادّعاءات، سيظلّ نتاجه الأدبي حائطَ صدّ يذود عنه ضدّ كلّ دعاوى التشكيك في قدراته الفنية والإبداعية. وفي ما يخصّ مواقفه السياسية والفكرية والفلسفية والاجتماعية، البادية في أعماله، فلسنا في حاجة لتبريرها، إذ مَن قال إنه بحاجة للتنصل منها! فقد كتب ما أراده قدر استطاعته، ولسنا قضاة أو آلهة كي نحاسبه".
من جهة أخرى، أكّدت أم كلثوم نجيب محفوظ أنها عثرت على مذكّراته الوحيدة التي كتبها والدها بخطّ يده مصادفةً أثناء ترتيب غرفة مكتبه، وأن صدورها يدحض ادّعاءات بعض الكتّاب حول قربهم من محفوظ أكثر من أسرته، وهو ما تُعلّق عليه الناقدة والمترجمة زينب محمد عبد الحميد بقولها لـ "العربي الجديد": "علينا الانتباه إلى أن ما صرّحت به أم كلثوم يدور حول كتابتها لمذكّراتها، متضمّنةً بالطبع حديثاً عن أسرة محفوظ، وأن إدراجها لبعض من أوراق مذكراته يعدّ استشهاداً على ما ستقدّمه من رؤية خاصّة بها حول عالم والدها؛ أي أننا بالأساس أمام مذكّرات الابنة كإطار كلّي يحمل بين طيّاته أوراق محفوظ ولسنا أمام ما أراد أديبنا تصديره لجمهوره في حياته".
وتضيف: "يدفعني ذلك إلى التعليق على قولها: ’أرفع الظلم عن نجيب محفوظ الإنسان وأسرته‘، بأن قراءة إبداع محفوظ كفيل بتقديم نفسه في إطار فنيّ منصِف، أمّا اتّهام شخصه أو أسرته بشيء خارج مهمّته الإبداعية فيُعَدّ من الترهّات التي لا تستحقّ الالتفات والردّ".
وتوضّح عبد الحميد أنه، استناداً إلى تصريحات ابنة محفوظ، فإنها بتقديم هذه المذكّرات ستلبّي فضول القرّاء حول تفاصيل الحياة اليومية والاجتماعية لأيقونة من أيقونات الكتابة العربية، وربما تكشف عن بُعد إنساني واجتماعي أكثر رحابة ربما خفيَ أو توارى خلف ما أثاره إبداع محفوظ الأدبي، خاصّة أن ما قدمه النقّاش ــ رغم ثرائه وبيانه ــ بات مرتبطاً بزمنه وقضاياه وحدوده الحوارية المرهونة بالقضايا السياسية والاجتماعية الكبرى بشكل أساسي.