تشهد تركيا في الأيام الأخيرة حملة تحريض جديدة ضد اللاجئين، بدأت بعد انتشار صور عدد كبير من المهاجرين الأفغان الذين دخلوا إلى البلاد عبر حدودها مع إيران. رئيسُ بلدية مدينة بولو التركية تانجو أوزجان، صرّح مؤخراً أنه سيقدّم اقتراحاً إلى مجلس المدينة بفرض رسوم قدرها عشرة أضعاف على فواتير المياه الخاصة بكل "الأجانب" لأنهم "تجاوزوا فترة الترحيب الخاصة بهم"، في إشارة إلى اللاجئين السوريّين في المدينة. كما قام المعترضون على وجود اللاجئين في تركيا بتدشين وسم "لا أريد لاجئين في بلدي" على مواقع التواصل الاجتماعي، وشارك فيه بعض الفنّانين الأتراك، من بينهم الممثلة إيزجي مولا، التي عُرفت في العالم العربي ببطولتها في مسلسل "شقّة الأبرياء" الذي عُرض السنة الماضية، والمغنيّة دَامَات أكالين.
وردّاً على تصريحات رئيس البلدية، أعلنت "الرابطة الرسمية لحقوق اللاجئين في تركيا" عن رفع دعوى قضائية ضدّ أوزجان الذي وصفت تصريحاته بالعنصرية، كما قام عدد من الكُتّاب والفنانين والناشطين السياسيين الأتراك بالدفاع عن اللاجئين، ودشّنوا ورسم "كلّنا مهاجرون.. لا للعنصرية". وقد استطلعت "العربي الجديد" آراء عدد من المثقّفين الأتراك حول هذه الحملة، وموقف الحكومة والمعارضة من قضية اللاجئين.
ادّعاءات بمسؤولية اللاجئين عن مشاكل الاقتصاد التركي
وفي هذا السياق، تقول الكاتبة والمترجمة بيرين بيرسايجلي مُوت: "إن قضية اللاجئين يتم مناقشتها في تركيا، للأسف، في سياق سياسي رغم أنها قضية إنسانية. يقوم بعض النواب بدعاية سيّئة وينشرون أخباراً كاذبة على وسائل التواصل الاجتماعي لتحريض الأتراك ضدّ اللاجئين. ويدّعي هؤلاء أن اللاجئين هم المسؤولون عن المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد التركي في الفترة الأخيرة. وقد وصل الأمر بهم إلى اتهام السوريّين بالقيام بجرائم قام بها أتراك، كما أنهم يحرّضون الشعب بخطاب عنصري رخيص، مستخدمين شعار: بلادنا تحت الاحتلال". وتضيف: "هذا الموقف يحرجني ويحزنني ويقلقني بشكل شخصي. إنّ مكافحة العنصرية هي أهم ما يشغلني هذه الأيام، ولكن أودّ أن أقول إنه، رغم وجود مثل هذه المجموعات في تركيا، هناك مجموعات أكبر تقف ضدّ هؤلاء المحرّضين دائماً. حتى وأنا أكتب هذه السطور يعمل كثير من الأصدقاء في المنظّمات غير الحكومية على معالجة مشاكل اللاجئين في البلاد. أعيش في حي أوسكودار، ولدينا منظّمة هناك للتضامن مع اللاجئين، تتكوّن من 300 امرأة. وبينما يكذب هؤلاء المحرّضون ضد اللاجئين سنواصل قول الحقيقة والوقوف ضد هذه الخطابات العنصرية. اللاجئون ليسوا ضيوفنا إنهم عائلاتنا وأصدقاؤنا ولديهم نفس الحق في العيش على هذه الأرض".
ويؤكد المؤرخ إرهان أفيونجو، في حديثه إلى "العربي الجديد"، على ضرورة التعامل مع قضية اللاجئين باعتبارها إنسانية وليست سياسية، يقول: "الأفغان لم يأتوا إلى تركيا من أجل الترفيه، إنهم فرّوا من الموت، ولا يمكن إرسالهم إلى تلك البلاد مرّةً أُخرى، وهذا ما يجب ألّا ننساه. وكان من الطبيعي أن يأتوا إلى بلد قريب منهم، فلا يفصل بيننا إلا بلد واحد. لقد كانت تركيا قديماً بلداً يعبر منه المهاجرون إلى بلاد أُخرى، وصارت بلداً يستهدفه اللاجئون، ولذلك ينبغي أن تتعامل الحكومة التركية مع هذا الملف بشكل أفضل، ومن الجيّد أن تتحوّل إدارة الهجرة في تركيا إلى وزارة. ويجب ألّا يستغل البعض هؤلاء اللاجئين كعمالة رخيصة".
إذا استطعنا أن نكون بشراً فسيكون العالم كافياً للجميع
وحول مسألة الهجرة، ونظرة بعض الأتراك العرقية نحو العرب، يقول المخرج متين أَفْدَاتش: "لا أجد أن وجهات النظر والمواقف السلبية تجاه اللاجئين الهاربين من الحرب صحيحة بأي شكل من الأشكال. لماذا هذه العنصرية ضد أناس يطالبون بأبسط حقوقهم في الحياة؟ أتصوّر أنها عنصرية ضد بعض الشعوب، وفي رأيي، لو كانت هذه الحروب في البلاد الغربية وتوافد الأوربيّون على تركيا لكان الأمر مختلفاً. أريد أن أسأل سؤالاً: من كان موجوداً في أراضي الأناضول قبل عام 1071؟ لم يكن هناك أتراك بالتأكيد قبل ذلك التاريخ. لقد تعلّمنا من التاريخ أنّ وجود الأتراك هنا يرجع إلى معركة ملاذكرد، والدولة نفسها تقول ذلك. إذن نحن مهاجرون أيضاً، والعالم ليس ملكاً لأحد، لكنّ النظام الرأسمالي جعل الناس أنانيينَ. وللأسف هناك وجهة نظر سيئة في تركيا تجاه العرب، تم تدريسها لنا منذ عقود، ويتم استخدامها الآن ضد اللاجئين، ولكن باختصار إذا استطعنا أن نكون بشراً فسيكون العالم كافياً للجميع".
كثيراً ما يتم استخدام ملف اللاجئين في الدعاية الانتخابية بتركيا مِن قبل المعارضة، وحول هذه الفكرة تقول الكاتبة يلديز رمضان أوغلو لـ "العربي الجديد": "لا يمكن اعتبار الذين فرّوا من الحرب ومن السياسات القمعية للنظام السوري مذنبِين بأي حال من الأحوال. إلّا أنه مع ازدياد عدد اللاجئين في تركيا، حوّلت أحزاب المعارضة هذا الملف إلى استراتيجية انتخابية، لكي يُقنعوا جماهيرهم بأنّ اللاجئين هم المتسبّبون في المشاكل الاقتصادية، بعد تدهور الاقتصاد خلال جائحة كورونا. وعلى العكس من ذلك، أودّ أن أقول إن السوريّين لهم مساهمات واضحة في دعم الاقتصاد التركي، وخصوصاً في غازي عنتاب. ولذلك أرى أنه من الممكن أن يتمّ تحويل قضية المهاجرين إلى ثروة. وأخيراً، ينبغي ألّا ننسى دور المنظَّمات غير الحكومية في التضامن مع اللاجئين، أمّا خطاب المعارضة الذي ينادي بإعادة اللاجئين إلى بلادهم بالقوّة، فإنه لا يلقى استجابة كافية بين الأتراك، لأنهم يعرفون الظروف التي جعلتهم يأتون إلى تركيا".
وترى الروائية هاندان أجار يلديز أن العوامل الاقتصادية تلعب الدور الأكبر في الحملة على اللاجئين الآن، تقول: "أؤكد أولاً رفضي لكل أشكال الخطابات العنصرية ضد اللاجئين. وأود أن أناقش زيادة ردود الأفعال ضد اللاجئين في الفترة الأخيرة. لم تكن تركيا في الأساس بلداً سهلاً للمعيشة، حتى قبل مجيء اللاجئين إليها. فرغم أن الدولة تغطّي تكلفة التعليم والصحة إلّا أنّ ارتفاع تكلفة المعيشة يجعل الحياة أكثر صعوبة على الأتراك أنفسهم. ولذلك كان من السهل استخدام البعض لخطاب قدوم اللاجئين في إثارة غضب الشباب الأتراك الذين يبحثون عن فرص عمل في ظل الظروف التي أشرتُ إليها. الأتراك غير متفائلين بشأن المستقبل، وفي السنوات الأولى من الحرب في سورية، كان التسامح مع اللاجئين أكبر من الآن، ولكن بعد ازدياد صعوبة الظروف الاقتصادية بعد الوباء انخفض زخم هذا التسامح. ورغم أنّني أجد أن الهجمات الأخيرة على اللاجئين غير مبرَّرة على الإطلاق، إلّا أنّني أطالب الحكومة بالنظر في الأسباب الاقتصادية التي تسبَّبت في ازدياد هذه الهجمات".
ويُرجع الشاعر والإعلامي سَرْكَان تُرك، أسباب حملات التحريض ضد اللاجئين إلى انتشار الشائعات حولهم، يقول في حديثه إلى "العربي الجديد": "أعتقد أن الشائعات القائلة بأن اللاجئين السوريّين يحصلون على حق الالتحاق بالجامعة من دون اختبارات وأنهم يحصلون على مساعدات كبيرة من النظام، وغيرها من تلك الشائعات هي سبب ردود الأفعال الأخيرة. لقد سئمت تركيا من الصراع بين النظام والمعارضة لسنوات عديدة. إننا فتحنا الحدود للاجئين العراقيين ثم السوريين بأعداد كبيرة، ويتم إظهارهم في الأخبار بصورة سلبية، في الوقت الذي يضطرّ فيه اللاجئون للعمل في أعمال محفوفة بالمخاطر مقابل أجر زهيد، ولا نجد خطوات ملموسة من المسؤولين في هذه المشكلات غير تصريحات من نوعية "سنتابع هذه المشكلة". عادت مشكلة اللاجئين الآن مع انتشار صور المهاجرين الأفغان إلى تركيا، في ظل إغلاق الأوروبيين طرق الهجرة. ولذلك أود أن أُذكّر السياسيّين في تركيا، سواء من النظام أو المعارضة، الذين يتلاعبون بملف اللاجئين، بأن هذا الملف كالقنبلة الموقوتة الجاهزة للانفجار في أي وقت".