نزار الصيّاد.. عمارة وتراث وعولمة

22 نوفمبر 2022
من مسجد ابن طولون في القاهرة، حزيران/ يونيو 2022 (Getty)
+ الخط -

تعيش المدينة المعاصرة اليوم حالةً تمكن تسميتها بالتناسخ العمراني، والتي تهيمن على المقاربات والخطط الهندسية بطريقة واحدة، فللحاق بركب الحداثة المعمارية، لا بدّ أن تُزرع المدن بناطحات السحاب والأبنية الزجاجية والطرقات العريضة...

في ظلّ هذه الحالة، كيف لنا أن نفكّر بالمساكن الشعبية، أو أنماط العمارة التقليدية والتراثية، حيثُ تُحتمَل قراءتُها على أنها نقيضة للواقع الحداثي بتناسخاته؟

عام 1987 كان الباحث والمعماري المصري نزار الصيّاد (1956) يُدرّس منهجاً حول العمارة الشعبية في "جامعة كاليفورنيا" الأميركية، ويطوّر أبحاثاً بصحبة المعماري الفرنسي جان بول بوردير حول ثقافة المساكن التقليدية والتراثية، في خطّة أشبه بالمغامرة لا لهيمنة النموذج الحداثي وحسب، بل لأن محاولات تقليدية وبيئية، مثل محاولة المعماري المصري حسن فتحي، لم يُكتب لها النجاح.

إلّا أن تلك الأبحاث الأوّلية هي ما ستشكّل نواةً لكتاب الصيّاد الصادرة ترجمتُه هذه الأيام، عن "دار العين" بعنوان: "تقاليد التراث: عن الهوية والعمارة والعمران ما بين الأصيل والمقلّد والمتخيّل"، بتوقيع المُترجِمة أُميمة صبحي.

غلاف كتاب نزار الصياد - القسم الثقافي

ينطلق الكتاب من جانب لغوي؛ حيثُ التراثي والتقليدي يُحيلان بشكلٍ ما إلى عمارة ذات بُعدٍ واحد، ينتقلُ فيها النمط الموحّد من جيل لآخر بفعل ما للثقافة الموروثة من قدرة على الاستمرارية، وبالتالي هذا شكل من أشكال نسخ النموذج أيضاً، ولكن أيّ منها؟ هذا هو السؤال التأسيسي الذي يُفكّكه الصيّاد في عمله.

كما يتناول الكتاب فكرة البحث في المساكن التراثية في الغرب، ويحاول العودة بها وتأصيلها بحدود القرن التاسع عشر، ثم يتطرّق إلى معرض المعماري النمساري الأميركي برنارد رودوفسكي، الذي أُقيم أواسط الستينيات في "متحف نيويورك للفن المعاصر" بعنوان "عمارة بلا معماريين"، والذي كشف الانحيازات المؤسّسة في العمارة، وهي انحيازاتٌ تاريخية لصالح رأس المال وسلطته.

تتقاطع في الكتاب مناهج بحثية مختلفة، وحقول علمية عدّة كالتاريخ والأنثربولوجيا والجغرافيا وعلم الاجتماع. في حين يبقى همُّ المؤلّف التدليل على ما فرضته العولمة من حالة نزع الهوية عن المكان وتقاليد المجتمع.

وبهذا السياق يتحدّث الصيّاد عن أربعة أنماط اجتماعية - عمرانية، تتدرّج من حالة ما قبل الاستعمار التي تطغى عليها العزلة، إلى مرحلة الاستعمار بوصفها طرازاً مُهجّناً، ثم حقبة الاستقلال التي ظلّت متأثّرة بالنموذج الغربي، وأخيراً الحالة الراهنة التي نعيشها، حيث تُكرّس العولمة خصائص ما بعد حداثية غير مرتبطة بالمكان.

المساهمون