حظيت عملية نقل مومياوت الفراعنة من "المتحف المصري" (القديم) إلى "المتحف القومي للحضارة المصرية"، في نيسان / إبريل الماضي، بمتابعة إعلامية مكثّفة، رافقها إخراج سينمائي جعل من النقل فعالية ترويج سياحي أو سياسي بالأحرى. هذه الأيام، تشهد مصر سياقاً شبيهاً مع أعمال نقل مركبة خوفو من منطقة الأهرامات أمس، حيث تستقر منذ عشرات القرون، إلى فضاء عرض في "المتحف المصري الكبير" الذي لم يفتتح بعد، وكانت الخطط الأولى لإنشائه قد جعلت من 2020 سنة لنهاية أشغاله.
وتتمثّل خصوصية مركبة خوفو في كونها لم تودّع مكان اكتشافها، تحت هرم الفرعون المصري، حيث عُثر عليها في 1954 من قبل المنقّب المصري كمال الملاخ (1918 - 1987). لكن حجمها لم يكن يسمح بعرضها في "المتحف المصري" بميدان التحرير، فبقيت في مكانها إلى اليوم. تعود المركبة إلى خمسة وعشرين قرناً قبل الميلاد، وقد سُمّيت بـ"مركب الشمس" حين اكتشافها، والذي تمّ ضمن محاولة فهم أسرار الحفر التي تحيط بهرم خوفو، أي أن المركبة لم تكن قطعة يبحث عنها الأثريون في عمليات التنقيب، وإنما جاء اكتشافها ضمن تتبُّع خيط الحفر التي تُجاور الهرم، وقد اكتشف كمال الملاخ وجود مركبة ثانية، كما تشير أبحاث إلى وجود ثالثة.
ظلّ عرض المركبة مقتصراً على المكان الذي وُجدت فيه؛ فهي تزن حوالي 45 طناً، ويبلغ طولها 43.4 متراً، وعرضها في الوسط قرابة ستة أمتار، أمّا عمقها فيُقدَّر بمترين. وتتضمّن المركبة عشرة مجاذيف، بحصة خمسة من كل جانب تتراوح أطوالها ما بين ستة وثمانية أمتار. كما تضمّ المركبة مقصورة للربّان في مقدّمة المركب، إضافة إلى مقصورة رئيسية يجلس فيها الفرعون.
بسبب ضخامتها، ظلّت المركبة في مكانها منذ اكتشافها عام 1954
من المؤكّد أن مركبة خوفو قطعة أثرية أساسية، ليس في مصر وحدها، بل في العالم، ولكن الطريقة التي باتت تُعتمد في التناول الإعلامي لكل عملية نقل للآثار في مصر، تذكّر بالتقاليد الكبرى للبروباغندا في القرن العشرين تحت الأنظمة الشمولية كروسيا السوفييتية أو ألمانيا النازية؛ حيث يتحوّل كل منجز إلى حدث كبير تُسخِّر له طاقاتها كلّ وسائل الإعلام.
كما توجد نزعة لربط عمليات نقل الآثار بمنجزات النظام برمّته في وقت أن مثل هذه العمليات جزء لا يتجزّأ من تأثيث "المتحف المصري الكبير"، وبالتالي فهو عملية روتينية يقوم بها المشرفون على هذا المشروع، بل إنها دورهم الأساسي بعد نهاية أشغال بناء القاعات وفضاءات العرض والتخزين.
مقابل هذه النزعة الدعائية في إضاءة ما يتعلّق بالزمن الفرعوني، لا نجد عودة ثقافية عميقة إلى هذا البعد الحضاري لمصر، كما حدث في زمن سابق في النصف الأول من القرن العشرين وبرز خصوصاً في سلسلة روايات تاريخية وضعها نجيب محفوظ أشهرها "عبث الأقدار". وفي غياب مثل هذه الإحاطة الثقافية، تبقى النوستالجيا الفرعونية التي يروّج لها النظام مجرّد دعاية تحت الطلب.