يشير الفوتوغرافي والمعماري الياباني هيروشي سوغيموتو (1948) أنه رأى العالم كموضوع وهمي ولم يكتسب بالنسبة إليه الواقعية إلا عندما التقط الصورة الأولى. كان ذلك عام 1976، حين انبهر بتصوير دُور السينما، وتحديداً تلك الشاشات التي تعكس أضواءها في المسارح المظلمة والخالية، وجمع أكثر من مئة صورة خلال العقود الخمسة الأخيرة.
العلاقة مع السينما لم تأخذ طابعها الجمالي فقط، إذ انجذب إلى مسألة أُخرى تتّصل بمُشاهدة الفيلم الذي يعني له النظر إلى أكثر من مئة وسبعين ألف صورة فوتوغرافية، مهتمّاً بالتعقيد الذي تشكّله الصورة وكذلك تفسيراتها المتعدّدة والمختلفة؛ بمعنى أن تقدّم الواقع وتتضمّن حركته.
يُفتتح مساء الأربعاء، الحادي عشر من الشهر الجاري، في "غاليري هيوارد" بلندن معرض استعادي لهيروشي سوغيموتو يتواصل حتى السابع من حزيران/ يونيو 2024، حيث يضيء جوانب متنوعة من تجربته التي تركّز على الأبعاد الفلسفية للوجود، وتاريخ الفوتوغراف بشكل أساسي.
اختبر الفنان الياباني عملية التصوير منذ اختراعها في القرن التاسع عشر، حيث استخدم كاميرا خشبية كبيرة الحجم ومزج المواد الكيميائية الخاصة به في غرفة مظلمة، وتقصّد إعادة استكشاف الأفكار والممارسات مراراً وتكراراً أثناء التقاط الصور، ومنها الديوراما (فنّ محاكاة الواقع بواسطة المجسّمات المصغرة)، وتقنية النحت بالشمع، وأفكار أُخرى مستعارة من العمارة.
كما توسّع سوغيموتو في مقاربة مفاهيم الزمان والمكان والضوء في طرح مستمرّ لتساؤلاته عن معنى الزمن، وكيف ندركه، وهل ما نُدركه حقيقياً؟ وتأثّر أيضاً بالتقنيات التي تُستعمل في متاحف التاريخ الطبيعي بتحويل معطيات غير واقعية لمشاهد من الطبيعة إلى واقع، ليقدّم سلسلة من الصور التي تتضمّن حيوانات تبدو حقيقية لكنها في الأصل متخيّلة، في محاولة لفهم طبيعة تصوّرنا للواقع.
يضمّ المعرض حوالي مئة صورة وعملين تركيبيّين، حيث يُظهر الأخيران تلك العلاقة التي تجمع الفنّ والعلم في وحدة جمالية كلّية، ضمن اهتمامه بالنماذج الرياضية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وقام بتنفيذهما من الألمنيوم المصقول ممّا يسمح للمشاهد بتذوّق الرياضيات في الفضاء المادي، وتلك العلاقة بين المعادلات الرياضية والأشكال المجرّدة للجسد، من منظور بصري.