على مدار العقود السبعة الماضية، برزت في العالم العربي تيارات عديدة سعَت إلى التعامُل مع الحرف العربي في سياق الحداثة الفنية؛ حيث تتجاور إلى اليوم رؤى متباينة تتفاوت في استخدام الحروفيات بأساليب تقليدية أو كعنصر أساسي في اللوحة، أو في توظيفه ضمن الفنون البصرية الحديثة.
"وحي الخط العربي" عنوان المعرض الذي افتُتح عند الثامنة من مساء أول أمس الأحد في "غاليري ديمي" بالقاهرة، ويتواصل حتى السادس والعشرين من الشهر المُقبل، بمشاركة تسعة فنانين يمثّلون أجيالاً مختلفة من المشهد التشكيلي المصري.
المعرض يضمّ أعمالاً اختارها القيّم الفنان وأستاذ الخطّ العربي يُسري المملوك (1958)، تعكس أنماطاً معاصرة تعتمد أشكالاً هندسية وزخرفية وتجريدية متنوعة، كما في معظم اللوحات المعروضة للفنانين أحمد فهد، وإسماعيل عبده، وأنتونيلا ليوني، وعادل محمد، ومجدي عبد العزيز، ومجدي هليل، ومحمد الدمراوي، ومصطفى عبد الرحيم، وهبة حلمي.
يقدّم أحمد فهد تشكيلات حروفية بعيداً عن محاكاة الرسوم، من خلال تركيزه على البُعد التجريدي للحروف، دون أن يتخلّى عن دلالاتها التعبيرية الكلاسيكية، فأغلبُها يتضمّن أبيات شعر أو حِكم وأقوال مأثورة مكتملة كنصوص لكنها تأخذ تحويرات شكلية فقط.
أما هبة حلمي فستند تجربتها أساساً إلى الخزف وتصميم الكتب، من خلال توظيف الحروف الهيروغليفية والمسمارية والديموطيقية والقبطية والعربية، في تركيز على الشكل الجمالي للحَرف وتشكيله في عبارات أو على هيئة رموز مجرّدة تماماً، وتستخدم في أعمالها خامات متعدّدة مثل الورق الصناعي واليدوي والمطبوع والقماش والقصدير والجِلد الصناعي والأحبار.
تُشارك في المعرض الفنانة الإيطالية المُقيمة في القاهرة أنتونيلا ليوني التي نالت الدكتوراه في الفنون الإسلامية من بلادها، ثم انتقلت إلى القاهرة حيث درست في "أكاديمية الخطوط العربية"، وأقامت عدّة معارض قدّمت خلالها الزخرفات والمنمنات ضمن أسلوب ينزع نحو التحديث في تكوين اللوحة.
وتمتّد تجربة مجدي عبد العزيز حوالي خمسة عقود تنوّعت بين الرسم والحفر والطباعة والخزف، حيث يدمج في أعماله الزخارف والحروف متّجهاً نحو الكاليغراف، حيث تظهر الحروف غالباً كمجرّد ايهامات خطّية أكثر منها نصوصاً.
يشير يسري المملوك في تقديمه إلى أن "المعرض يضمّ نخبة من الفنانين المبدعين من أجيال مختلفة وأساليب فنية متنوعة، إيماناً بأهمية هذا الفن التراثي والحيوي المتجدّد، واستلهام أحد أهم فنوننا الحضارية العظيمة، وقيل في الأثر: 'الخط العربي أينما ظهر بهر'".