تقف هذه الزاوية مع مبدعٍ عربيّ في أسئلةٍ سريعة عن انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع متلقيه. "رغم معرفة البشر بأن عليهم التكاتف من أجل التغلُّب على هذا الوباء المرعِب، فإنّهم يتقاتلون، وتزداد الخلافات والصراعات بينهم"، يقول الكاتب والمترجم الفلسطيني.
■ ما الذي يشغلك هذه الأيام؟
- تشغلني أشياء كثيرة، على رأسها بالطبع الوضع الصعب الذي تمرّ به البشرية بسبب جائحة كورونا، فلا سفر، لا تواصل مع الآخرين، لا حرّيّة حركة، لا يقين، لا نعرف ما الذي يأتي به الغد، هل نكون هنا، أم سينقضّ علينا الفيروس، الذي ينتشر بسرعة طائرة نفاثة ليصيب الكبير والصغير، فيقضي علينا؟ لقد أصبح الموت أقرب إلينا من حبل الوريد. هذه هي قوانين كوفيد التاسع عشر؛ الموت أو العزلة. ورغم معرفة البشر بأن عليهم التكاتف من أجل التغلُّب على هذا الوباء المرعِب، فإنّهم يتقاتلون، وتزداد الخلافات والصراعات بينهم. فلننظر إلى حروب اللقاحات التي تستعر بين الدول والشركات المصنِّعة، لنعرف إلى أيّ درك أسفل وصلت البشرية في هذا الزمان.
■ ما آخر عمل صدر لك، وما عملك القادم؟
- آخر عمل هو مختارات موسّعة من شعر محمود درويش (538 صفحة)، بعنوان "على هذه الأرض ما يستحقّ الحياة" (الدار الأهلية للنشر والتوزيع، عمّان، 2021)؛ اخترتها من أعماله الشعرية الكاملة، وكتبت لها مقدّمة طويلة تلقي الضوء على تطوّر تجربته الشعرية منذ البدايات، وصولاً إلى المجموعة الشعرية التي صدرت بعد وفاته: "لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي". أمّا العمل المقبل، فهو كتابٌ ــ لم أضع له عنواناً بعد ــ يضمّ مقالاتٍ طويلة نسبياً، وذات طابع فكري، نظري، ثقافي، تدور حول مفهوم المنفى، والاستشراق، والاستغراب، وأنظمة الرقابة الشاملة التي يتعرّض لها البشر في هذا العصر.
■ هل أنت راضٍ عن إنتاجك ولماذا؟
- لا. وإذا أجبتك بنعم، فلن أنقل لك شعوري الدائم بأنّني مقصّر، ولا أعرف إلّا أقل القليل، وعليَّ أن أتعلّم أكثر، وأصقل تجربتي، وأتبحّر في الموضوعات التي أكتب حولها. كذلك لديَّ مشاريع تراوح في مكانها منذ سنوات، ولا أعرف كيف سأنتهي منها، لأنّ مشاغل طارئة ومشاريع جديدة تحلّ محلّها، وتدفعني إلى تأجيل القديم والعمل على الطارئ الجديد.
لا حرّيّة حركة، لا يقين، لا نعرف ما الذي يأتي به الغد
■ لو قُيِّض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟
- منذ صباي المبكّر، حلمتُ بأن أكون مثل طه حسين، كاتباً ومثقّفاً وناقداً ومترجماً. قرأت معظم ما كتبه قبل أن أنهي المدرسة الثانوية. لكنّني، عندما ذهبت إلى الجامعة، درست الطبّ، وبقيت أكتب مقالاتٍ نقديّةً في الصحافة الفلسطينية والأردنية. وفي السنة الرابعة في كلّيّة الطب في "الجامعة الأردنية"، شعرت بأن عليَّ أن أتوقّف عن المضيِّ في دراسة ما لا أحبّ، فانقطعت عن الدراسة، ثم عدت بعد أربع سنوات لأدرس الأدب الإنكليزي والفلسفة في الجامعة نفسها. ولهذا، أظنّ أنّني لو عدت وبدأت من جديد فسأسلك السلوك نفسه، وما كنت لأغيّر مساري الذي اخترته بملء رغبتي، وضدّ رغبة والدي والعائلة. لقد فشلت في إرضاء والدي ووالدتي، رحمهما الله، وذلك ما يعذّبني إلى هذه اللحظة.
■ ما التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
- أن تدرك البشرية أنّها آيلة إلى زوال إذا لم تتوقّف عن الصراع وتدمير البيئة والطبيعة. وهذا الوباء، الذي يأخذ بتلابيبنا، علامةٌ على رعب الفناء، خصوصاً أنّ الأوبئة المقبلة قد تكون أشدّ وأكثر هولاً.
■ شخصية من الماضي تود لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
- طه حسين، للأسباب التي ذكرتها سابقاً، ولكونه مثال المثقف التنويري العربيّ الذي أدرك دور التعليم والثقافة في تقدُّم الأمم وخروجها من مآزقها. لقد كان مثقّفاً رائياً، وما أحوج العرب إلى أمثاله هذه الأيام.
■ صديق يخطر على بالك أو كتاب تعود إليه دائماً؟
- الصديق هو مؤنس الرزاز، الذي رحل عام 2002 بصورة مفاجئة. أفتقده دائماً، فقد كان نعمَ الصديق طيّب القلب، الشهم، الذي كان يهرع إليَّ، وأهرع إليه، كلّما شعرنا بالكرب أو الألم. أمّا الكتب التي أعيد قراءتها ولا أمَلُّ منها، فديوان محمود درويش، وروايات وقصص ومسرحيات غسان كنفاني، وكتب إدوارد سعيد.
عملي المقبل يضم مقالات حول المنفى والاستشراق والاستغراب
■ ماذا تقرأ الآن؟
- أقرأ رواية Flights للكاتبة البولندية أولغا توكارتشوك، الحاصلة على نوبل للآداب عام 2018، وقد تُرجمت إلى العربية تحت عنوان "رحَّالة". أقرأ الترجمة الإنكليزية، بقلم جنيفر كروفت. هذه رواية رائعة ومدهشة، ساحرة، والترجمة مبدعة، خلّاقة، تمتلك حساسية لغوية فائقة. ورغم أنّني لا أعرف البولندية، لكنّني أحدس أن هذه الترجمة تضاهي الأصل. أتمنّى أن يكون هناك مترجمون عرب بهذه الحساسية والإبداع، في هذا الزمان الذي يحتشد بالترجمات الرديئة التي لا تُقرأ.
■ ماذا تسمع الآن، وهل تقترح علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟
- أستمع وأنا أقرأ وأكتب إلى أغاني فيروز وأم كلثوم. من الصعب أن أبدأ الكتابة من دون أن أستمع إلى صوت واحدة منهما، رغم البون الشاسع بين طبقتي الصوتين، والعوالم التي ينقلها غناؤهما. أقترح "بعدك على بالي" لفيروز.
بطاقة
كاتبٌ وناقد ومترجم مولود في بلدة اليامون، غرب مدينة جنين، عام 1957. أصدر أكثر من عشرين كتاباً، من بينها: "في الرواية الفلسطينية" (1985)، و"وهم البدايات: الخطاب الروائي في الأردن" (1993)، و"في الرواية العربية الجديدة" (2009)، و"إدوارد سعيد: دراسة وترجمات" (2009)، و"قبل نجيب محفوظ وبعده: دراسات في الرواية العربية" (2010)، و"أصوات من ثقافة العالم" (2012)، و"كراهية الإسلام" (2016). ترجم "النقد والإيديولوجية" لتيري إيغلتون، و"المبدأ الحواري" لتزفيتان تودوروف، و"الاستشراق" لضياء الدين ساردار، و"موت الناقد" لرونان ماكدونالد. كما حرّر عدداً من الكتب حول الشعر العربي المعاصر والنظرية الأدبية المعاصرة. حاصلٌ على عدد من الجوائز، من بينها "جائزة فلسطين" في النقد الأدبي (1997)، و"جائزة غالب هلسا للإبداع الثقافي" (2005)، و"جائزة أحسن كتاب مترجم" من "جامعة فيلادلفيا" الأردنية (2012).