وقفة مع يزيد خلوفي

14 ابريل 2022
(يزيد خلوفي)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أسئلة سريعة حول انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع قرّائه. "قدّرتُ منذ البداية قيمة إعادة قراءة التراث البصري العربي"، يقول الفنان والباحث الجزائري في حديثه إلى "العربي الجديد".


ما الذي يشغلك هذه الأيّام؟
منكبٌّ في الاشتغال على استعادة بعض الشخوص التي تزيّن إحدى أهمّ المنمنمات الأندلسية، من المتن السرديّ للمخطوط إلى مساحة المكتوب البصريّ المعتّق برائحة الطين وصوفيّة اللون والأحبار. نوعٌ من المحاورة الصامتة لأهمّ الشخصيات التي شكّلت "حديث بياض ورياض".


ما هو آخر عمل صدر لك؟ وما هو عملك القادم؟
منجزي الفنّي هو عبارة عن مشاريع موضوعية بحثية تجسّدها مجموعات فنّية متعدّدة، فعملي الفنّي مفتوح ومن غير الممكن حصره في إطار عمل واحد. في ما سبق كنت قد اشتغلت على رمزية الفراغ في مساحة الجمالية الإسلامية، وذلك من خلال ما سميته حروف الصمت والفراغ، انطلاقاً من المعادلة التي تجعل من مساحة الصمت حروفاً، ومن شيئية الصمت فراغاً. كما قدّرتُ منذ البداية قيمة إعادة قراءة التراث البصري العربي.

حالياً، منكبٌّ على عملية استنطاق حالات هوس جديدة عنونتها بـ"تسابيح"، فلا فرق عندي بين العرفان والجمال، بل إن الجمال واحدٌ من الحدوس المهمّة التي تتضمّنها تجربة الإبحار في ماهية النقطة ورحلة تشكّلها واكتمال دائرتها في ملامسة فريدة ومدهشة لكينونة المتعة الجمالية المتقدة بالفناء.

حرْق التوحيدي لكتبه سبقٌ مبكّر لما سيُعرف بفن الأداء


هل أنت راضٍ عن إنتاجك؟ ولماذا؟
لست راضيا أبداً! لأنني منذ أن استشعرت كيمياء لحظتي وأنا بين الشدّ والجذب؛ شدٌّ بين رائحة الحبر وجذبٌ بين صلابة القلم في حفره في كينونة الحرف. تائهٌ بين مكوّنات أدائي التكويني ومحاولات تجميع شتاتي على مساحة بوحي، فكيف لي أن أرضىǃ


لو قيّض لك البدء من جديد فأيُّ سبيلٍ ستختار؟
لن أختار إلّا أن أكون ما جُبلت عليه في طفولتي: إنساناً متربّعاً على أعلى مراتب الإنسانية؛ أعلاها باعتقادي هي أن تكون فنّاناً وأدناها هي أن تصير كذّاباً. اختياري كان من البداية أن أكون فنّاناً، ولا سبيل لي من اختيار غير ذلك لأنّ الفن عُلُوٌّ فسُمُوّ فدُنُوّ. فالإنسان بالفن إنسان.

(من أعمال يزيد خلوفي)
(من أعمال يزيد خلوفي)

ما هو التغيير الذي تنتظره وتريده في العالم؟
ثورتي محدودة. ولا أطمح إلى تغيير العالم بقدر ما أطمح إلى أن ألامس حقيقة الوجود الإنساني في أوجاعه وآهاته.


شخصيّة من الماضي تودّ لقاءها ولماذا هي بالذات؟
حلمي، لو تتاح لي فرصة الغوص في ذاكرة الزمن وألتقي بالأمير عبد القادر الجزائري. كمْ ستكون سعادتي كبيرة وأنا أجالسه مجالسة المريد لشيخه، محاولاً في ذلك فهم عبقرية هذا الرجل في كيفية الجمع بين الهدفيْن في آن واحد، والتوفيق خاصّةً بين المتناقضات بطريقة فيها الكثير من النبل. مدهش كيف استطاع الجمع بين رهافة الكلمة وقوّة الحق، بين قوّة الحب وحدّ السيف في الدفاع عن وجوده. الأمير عبد القادر قامة من قامات الفكر الإنساني ووريث شرعي ووحيد لـ"لوغوسوفيا" ابن عربي ومدرسته الأكبرية.


صديقٌ أو كتابٌ تعود إليه دائماً؟
الصديق لن يكون غير أبي حيّان التوحيدي، والكتاب سيكون من دون تردد كتابه العمدة "الإمتاع والمؤانسة". بحكم اشتغالي على النصّ، فمعظم كُتَلي النصّية كانت عبارة عن محاورات يومية جمعتني به من خلال استحضارات حميمية دامت لأكثر من عقديْن كاملين. نوعٌ من الضلوع الشخصي وتقاسم لهمّ حمله هذا الفيلسوف على عاتقه، والذي كلّفه الكثير، بحيث عانى في حياته من عدم فهم معاصريه له. لقد عاش في فترة تشبه إلى حدّ كبير ما نعيشه اليوم في علاقتنا الآنية مع الدين والأشياء. أحرَق مجمل كتبه كتعبير عن تمرّده الفكري ورفضه كل فصل أو انفصام بين الفكر والسلوك. عملية حرْق كتبه سبقٌ مبكّر لما سيُعرف لاحقاً بفن الأداء.


أيُّ تجربةٍ غنائيّةٍ أو موسيقيّةٍ يمكننا أن نشارككَ سماعها؟
مهتم جداً بـ "السماع" كفعل طقسي تعبدي في بنية الموسيقى العرفانية، أستمتع بالإنصات للتقاطعات بين السماع الصوفي الأندلسي وآهات فريد أياز والقوالي الباكستاني، كما أستمع كثيراً للشيخ أحمد التوني.


بطاقة
فنّان وباحث جماليّ، عصاميّ التكوين، من مواليد عام 1963 في حمّام بوغرارة بولاية تلمسان في الجزائر. له العديد من المشاريع الفنّية، منها: "مقامات" (مشروع منشأة متعددة الاختصاصات: قراءة جمالية لحال الوصول إلى لإنسان الكامل)، و"من الوجود إلى الوحدة" (قراءة جمالية وعرفانية لفعل الحج)، و"وجوه مكتوبة" (منشأة حائطية)، و"خطّ الرمل" (منشأة ظرفية على الرمل). أقام العديد من المعارض في تركيا وألمانيا واليونان وفرنسا والأردن وليبيا ولبنان، بالإضافة إلى الجزائر.

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون