في عام 2018، قدّمت المخرجة هيذر لنز فيلمها الوثائقي "كوساما: ما لا نهاية" الذي استعرضت فيه حياة الفنانة اليابانية (1929) وتجربتها التي تتميز بالابتكار والجموح وقدرتها على تحويل الصدمات إلى طاقة إبداعية، في اشتغالاتها المتعدّدة بين الرسم والتصوير الفوتوغرافي والنحت والتركيب وصناعة الأفلام وتصميم الأزياء.
كما يتناول الفيلم حوداث مؤلمة في سيرتها منذ أن ألقت بنفسها من النافذة ذات يوم، لكنها بقيت على قيد الحياة، ومرضها العقلي الذي تعرّضت بسببه للوسم، والنظر إلى فنّها من زاوية معينة، وكذلك التمييز ضدّها على أساس جندري وعنصري.
"يايوي كوساما: غرف بمرايا لا تنتهي" عنوان معرضها الجديد الذي افتتح منتصف الشهر الماضي في "متحف تيت مودرن" بلندن، ويتواصل حتى الثاني عشر من حزيران/ يونيو 2021، ويتضمّن غرفتين من تركيبات بدأت بتنفيذها منذ ستينيات القرن الماضي وتتكوّن من مرايا وأضواء وموسيقى.
الفنانة التي منعتها والدتها من الرسم ومزّقت أعمالها الأولى من أجل تهيئتها لزواج مبكر، تمرّدت على تلك القيود حيث وجدت في الفن طريقة لفهم هلوساتها ومعاناتها، حيث كانت تسرع في العودة إلى البيت طفلة لترسم كلّ ما رأته في دفترها الخاص، تسجّل كل ما يحيط بها لعلّها تبعد الخوف عنها.
علامات وأشكال سترافقها في رحلتها الطويلة التي انتقلت فيها من التعبيرية إلى التجريد، والتعبيرية التجريدية، مروراً بالبوب آرت، وصولاً إلى الفنّ المفاهيمي الذي قاربت من خلاله أفكارها حول النِّسوية والعنصرية، حيث الأزهار تفترش الأرض، والرشقات النارية تضيء السماء.
بعد الهجوم على ميناء بيرل هاربر أثناء الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945)، كانت كوساما في الثالثة عشرة من عمرها، وتم تجنيدها للعمل في مصنع ينتج أقمشة للمظلات العسكرية، وكلّ مساء ترسم وروداً بأشكال تذهب إلى مزيد من التعقيد في عشرات الرسومات.
في المرايا اللامنْتهية، تبني تركيبات من زجاج عاكس، من عشرات الكرات المعلّقة على ارتفاعات مختلفة، حيث يمكن لزائر المعرض حين يقف أسفلها فوق منصة صغيرة مراقبة الضوء ينعكس بشكل متكرّر على الأسطح العاكسة، ما يخلق وهماً بوجود مساحة لا نهاية لها.
تعتمد رؤية كوساما على محو الذات وعلاقة الفرد بالطبيعة والكون، حيث ترى أنها علاقة روحيّة وليست اجتماعية، ما جعل رؤيتها تتجاوز حدود خصوصيتها وثقافتها اليابانية، إلى جانب أعمالها المناهضة للهيمنة الرأسمالية، وتسليع الفن في الغرب.