يقظة الرواية

24 مايو 2024
الفنان أيمن الحصري يُنجز جدارية على بيت في بيت لاهيا، 17 حزيران/ يونيو 2023 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- جورج أنطونيوس في "يقظة العرب" يقدم رؤية متفائلة لاستعادة العرب هويتهم ومكانتهم العالمية بعد الهيمنة العثمانية، مستنداً إلى تشكيل الأحزاب والجمعيات العربية كتعبير عن اليقظة والنضال ضد الاستعمار.
- هزيمة 1967 أثرت سلباً على الروح المعنوية العربية وأدت إلى تحول الرواية التاريخية كوسيلة هروب من الواقع، مع ملاحظة النقاد لتحولها بعيداً عن الدلالات الثورية بسبب الهزائم واستيلاء العسكر على السلطة.
- الرواية التاريخية تواجه تحديات جديدة بفقدان الاهتمام بالتاريخ كمصدر إلهام، مع توجه الروائيين نحو استكشاف الفانتازيا أو الابتعاد عن ربط التاريخ بالواقع المعاصر، مما يعكس تغير الوعي بالتاريخ وتحول في تناوله.

قبل أن ينتصف القرن العشرون كتب جورج أنطونيوس كتاباً سمّاه "يقظة العرب" قدّم فيه آماله، ويقينه أيضاً، من أنّ العرب الذين خرجوا من هيمنة الأتراك، قد دخلوا التاريخ من جديد، وهم يستعدّون كي يأخذوا مكانهم بين شعوب الأرض بهويّتهم العربية الأصيلة. بنى أنطونيوس فكرته التي وضعها في كتاب زادت صفحاته على ستمئة صفحة، على المُعطيات التي كانت تقول إنّ الأحزاب والتيارات والجمعيّات التي كانت قد تشكّلت في الأرض العربية هي التعبير عن تلك اليقظة، وخاصّةً أنّ كتاب أنطونيوس أُنجز في السنوات التي كانت تشهد نضالاً ثوريّاً تحرُّريّاً ضدّ الاستعمارَين الفرنسي والإنكليزي اللذين حلّا محلّ الاحتلال التركي. سوف تتكاثر في المناخ الأدبي الروايات التي أطلق عليها اسم الرواية التاريخية، وربما كانت كلّ الروايات التي كُتبت في النصف الثاني من القرن العشرين، وأخذت هذا المنحى، قد استمدّت شرارة من الفكرة الأصل التي وضعها ذلك المؤرّخ.

سوف نقرأ فيما بعد نصوصاً روائية عن التاريخ لـ طه حسين، ولنجيب محفوظ، ولعبد الحميد جودة السحّار، ولمعروف الأرناؤوط، وعبد الرحمن الشرقاوي، وغيرهم، والمُلاحظ أنّ معظم الروايات التاريخية كانت تذهب في اتجاه اليقظة، أو في اتجاه البحث عن اللحظات التي كان فيها الشعب ينهض لمقاومة الطُّغاة أو الغُزاة. كان التاريخ في النصّ الإبداعي خزّاناً لأفكار التحرُّر والخلاص والانتصار على الأعداء.

موجة روايات تهرب من واقعها بحثاً عن الفانتازيا في التاريخ

على أن سنوات السبعينيات من القرن العشرين وما بعد شهدت نكوصاً على صعيد الرأي العام، صار بعض النقّاد يعتبر أنّ العودة إلى التاريخ في الرواية أت تعبيراً عن الهروب من مواجهة الواقع. كان العالَم العربي قد بدأ مرحلته "الجديدة" في الانحدار والتحطّم على وقع بنادق هزيمة حزيران/ يونيو 1967، لا فرق بين من خاض المعركة، ومن لم يخُضها، إذ كانت العدوى عربية أيضاً، كما كانت مشاعر اليقظة القديمة.

ربما كان هذا يفسّر ذلك التأفُّف من الرواية التاريخية الذي بدأ يظهر في ذلك الوقت. لم تكن ملامح الهزيمة الشاملة قد توضّحت بعد، وكان لدى الجمهور العربي بصيصٌ قليل من الأمل، يُمكن أن يُغذّي عالَم الرواية، أو عالَم الروائي، وبدا أن بوسع الرواية أن تُساهم في تدارك احتمالات اليأس. غير أنّ الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي العربي كان يتدهور مثل كرة ثلج.

وبسبب الهزائم المُتكرّرة، من جهة، واستيلاء المُستبدّين والعسكر على السُّلطة في معظم الدول العربية بدأت الرواية التاريخية تخلو يوماً بعد يوم من الوقائع ذات الدلالة الثورية. كانت تلك واحدة من العلامات الهامّة عن تأثير الواقع على الرواية. وفي ضوء هذا يُمكن أن تقرأ رواية مثل "الزيني بركات" لجمال الغيطاني في المواجهة مع الهزيمة التي حلّت بالعرب.

غير أنّ الرواية بدأت تبتعد عن التاريخ، ومن غير الواضح تماماً حتى اليوم، فيما إذا كان للأمر علاقة بوعي التاريخ، أي أنّ التاريخ يتغيّر في الوعي، استناداً إلى متغيّرات الواقع، أم أنها ردّة فعل مجرّدة من الوعي، أو أنّ الروائي يفقد قناعاته بما كان سلفه يراه. فالعديد من الروايات راحت تبحث عن الفانتازيا في التاريخ، أو تبتعد في سردها عن الموضوعات التي يُمكن أن تكون متّصلة بالتعليق على الحدث التاريخي في علاقته مع أحداث الواقع.


* روائي من سورية

موقف
التحديثات الحية
المساهمون