"يومك يومك": مسرحٌ تفاعلي عن هموم الناس

21 يوليو 2024
شملت العروض طرابلس وصيدا والمخيّمات ومناطق مهمّشة أُخرى (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- فرقة "Clown Me In" تقدم عرض "يومك يومك" التفاعلي في بيروت، مسلطة الضوء على قضايا اجتماعية وسياسية مثل الانهيارات المصرفية والاستغلال الطبقي، وتشجع الجمهور على التفاعل والمشاركة.

- العرض يتناول العنف الاجتماعي والطبقي والجندري من خلال قصص حقيقية، ويحث الجمهور على التعبير عن اعتراضهم على الظلم والعنف، مما يخلق تفاعلاً يهدف إلى التغيير.

- الفرقة تعتمد على مسرح الشارع وتقدم عروضها في مناطق مهمشة بلبنان، رغم التحديات الأمنية، وتسعى لمواجهة قسوة الحياة وعسف السلطة من خلال الضحك كوسيلة لمقاومة الظلم.

يقترب الوقت من المغيب، وبائعو الورد الأطفال وصيّادو السمك والعمّال المنتشرون على رصيف عين المريسة في بيروت أوشكوا على الانتهاء من أشغالهم البسيطة، بعد يوم من أيّام العمل اللّاهبة في بلاد الانهيارات المصرفية والاستغلال الطبقي. وسط هذا المشهد، تنتصب خشبة بسيطة ومن خلفها البحر، لا يُؤثّثها شيء سوى حكايات الناس وهمومهم، وموهبة ورشاقة ممثّلي فرقة "Clown Me In" الذين اعتلوها وراحوا يدعون المارّة للانضمام إلى عرضهم التفاعلي "يومك يومك"، العبارة التي تُستخدم عادةً للدلالة على طلب كفاف اليوم واستحالة التفكير بأية مشاريع مستقبلية.

قدّمت الفرقة مشاهد قصيرة، اشترك في أدائها كلٌّ من: سامر سركيس، وروى حسامي، وروى خرّاط، وجنى مغامس، ورامي أبي خليل، ليبدأ العرض بمشهد أوّل يبحث فيه ابن ناطور العمارة عن قلمه الضائع، وسرعان ما يقودنا هذا البحث إلى متاهة سلطة تُضيِّع أبسط حقوق الإنسان، كالتعليم والطبابة والعيش الكريم. إنّه مشهدٌ يُحيل إلى صميم الواقع السياسي، ألمْ يخرج علينا، قبل أيام، أحد رؤوس هذه السلطة ليُطالب بمنع تعليم أبناء اللّاجئين في المدارس الرسمية؟

مشاهد واقعية يمثّل الضحك فيها ضرورة لمواجهة قسوة الحياة وعسف السُّلطة

يضع العرض الجمهور أمام العنف العاري الممارَس اجتماعياً وطبقياً وجندرياً؛ من الرجال على النساء، ومن الأغنياء على الفقراء، ومن "الأُصَلاء" على "الدخَلاء"، وإن ظلّ هذا المستوى الأخير مستبطَناً وغير مباشر، لكن يكفي أن يُفتتح العرض بحكاية ناطور العمارة، الذي لديه عدد كبير من الأولاد، حتى نلتقط الإشارة، ويكفي أن نستكمل مَشاهد الحكاية في البيت والمدرسة والمستشفى والفضاء العام حتى نعرف أنّ المعنيّين هُم اللاجئون السوريّون في لبنان: النساء وبائعو الورد الأطفال وصيّادو السمك والعمّال.

تستقي "Clown Me In"، بصفتها فرقة تنتمي إلى مسرح الشارع، قصصها من واقع الطبقات المعدومة، لكنّها لا تُعيدها إليهم كما هي، بل تُحرّضهم عليها، تُشعرهم بمظلوميّتهم، ثمّ تتتبّع أثر هذا الظلم لتستقرئ أيَّ ردّات فعل ستنبني عليه. يطلب الممثّلون من الجمهور أن يرفع صوته عندما يبلغ الاستفزاز حدّه، يصرخ أحد الحاضرين بكلمة "Stop"، ثم يعتلي الخشبة في محاولة لتحويل اعتراضه على العنف إلى تغيير حقيقي.

كلاون مي إن - القسم الثقافي
خشبة بسيطة وخلفها البحر (العربي الجديد)

حول طبيعة العرض وفكرته تحدّثت العضو في الفرقة غالية صعب إلى "العربي الجديد" موضّحة: "ما نشتغله هو Forum theatre، مسرح تفاعُلي عن المضطهَدين ولهم، يسمح للجمهور بالمشاركة مع الممثّلين في اقتراح حلول، وإعادة تركيب المَشاهد عبر تدخُّل الحاضرين في المواقف التي يعتبرونها صادمة، كما أنّ القصص التي نعرضها حقيقية، ولاحقاً نُطوّرها ونمزجها بنوع من اللعب والطرح الذي يستفزّ الجمهور من موقعه".

من جهتها، لفتت العضو في الفرقة الناشطة والفنّانة السورية ديمة نشاوي إلى أنّ "الوضع الأمني كان من أبرز التحدّيات التي واجهت العرض والتحضير له، حيث كان من المفترض أن نقول الأشياء بوضوح أكبر، لكنّ الحملة التحريضية الأخيرة ضدّ اللّاجئين السوريّين في لبنان جعلتنا نُحجم عن الطرح المباشر، وبالتالي ليست لدينا القدرة على العرض في كلّ المناطق ببيروت، مع أنّ عروضنا شملت طرابلس وصيدا والمخيّمات ومناطق مهمّشة أُخرى".

تتحرّك "Clown Me In" على النقيض من المفهوم الرائج اليوم على كثير من الشاشات اللبنانية والعربية، أي التهريج لأجل إضحاك الطبقة المُرفَّهة، من خلال إيحاءات عنصرية وذكورية، بل على العكس من ذلك، تذهب الفرقة إلى فهم آخر ومختلف تماماً، حيث تنزل إلى قاع المجتمع لتَخرج بمشاهد واقعية ليس الضحك فيها "إضافة ترفيهية"، بل ضرورة لمواجهة قسوة الحياة وعسف سُلطة قاتلة للبهجة.

الجدير بالذكر أنّ عروض "يومك يومك" بدأت في الثالث من تموز/ يوليو الجاري، وجابت عدّة مناطق لبنانية، على أن تُستكمل مساء الجمعة المُقبل بعرضَين أخيرَين في بلدَتي شحيم (الرابعة والنصف مساءً) وحمّانا (السابعة مساءً).