استمع إلى الملخص
- يؤكد الكاتب أن الجميع يعرفون القاتل لكنهم يتجنبون الحديث عنه، ويشعر بالغضب من نسيان الناس لضحاياهم.
- الكاتب يصر على تسجيل كلماته لإدانة القاتل، ويشير إلى أن الناس يفضلون تجنب المواجهة مع القاتل رغم معرفتهم به.
أعرف كيف سأموت، سأقول ذلك جهراً حتى لو أخذتُم كلامي على أنه مجرّد تشاؤم وسوداوية. أعرف اسم قاتلي، ويُمكنني الآن أن أصف لكم دوران وجهه، وكثافة حاجبيه، أعرفُه وأنتم أيضاً تعرفونه، لكنكم تُشيحون بنظركم عنه.
وأعرف أيضاً أن الكلام في هذا الموضوع يُزعجكم، أنتم لا تريدون أن تموتوا، ولا تريدون أن تسمعوا سيرة الموت، لماذا؟ لأنكم تعتقدون أنّ الكلام فيه يجذبه فعلاً؟
إذن نحن متّفقون أن يُولد المرء وفي فمه اسمُ قاتله، وفي فمي اسمُه، لكنّه لا يعرفني، سيعرفني ساعتها، حينما أكون قد هويتُ أرضاً، وسال حولي دمي الحارّ. سيتأكّد حينها أنه قد أدّى عمله على أكمل وجه، ولهذا أكتب الآن لأُدينه اليوم قبل الغد، قبل أن أستحيل إلى ماض لا يملك لساناً يدين به أحد، ولأنّي أعرف أنكم ستتعمّدون نسياني ونسيان سيرتي، ستتعمّدون إسقاطَ قصتي من التاريخ.
أنا أعرف قاتلي، وأُريد أن أعترف عليه، أن أُسجِّل كلمتي هذه، وأحفظَها في الزمن لتعودوا إليها بعد مدّة، وتتأكّدوا أنني كنتُ أعرف مَن فعلها، فلا تشوّشكم وسائل الإعلام عمّن هو القاتل لا غيره بوجهه المستدير وحاجبيه الكثّين.
وإن سقط منكم أحد، لو أن طفلاً جميلاً من أطفالكم اختفى أو قُتل وشعرتم ساعتها بالحيرة والضياع والشكّ عمّن فعل هكذا بطفل بريء، أقول لكم إنّني أعرف قاتله، وأُسجّل كلمتي الآن لأُدينه، لكنكم تُشيحون أنظاركم عن كلمتي، خوف أن تُحسبوا معارضين.
ستُشيحون النظر عن جُثث أطفالكم وإخوتكم، ستُشيحون النظر عن جُثّتي أيضاً، وحتى حين تظهر جُثّتي في التلفاز، وتبدو عليها ملامح البراءة والوداعة ستدّعون أنّني أخطأتُ بشيء ما، وإلّا لما قُتلت بينما أنتم تنعمون بحياة هانئة خلف الشاشات، وحتى عندما يُصيبكم المصاب سيقول غيركم أنكم أخطأتم بشيء ما.
حتى لو وقف الله معنا ستقفون ضدّنا، حتى لو سمعتُم الحقّ ستدعونه على الفور باطلاً، حتى لو دافعتُ عنكم ستقولون إنّي محتال، وحتى لو دافعتُ عن حياة أطفالكم ستقولون إنني طفل مهزوم، وحتى لو قلتُ لكم إنني أعرف اسم قاتلي وقاتلكم وأشرتُ لطيّارته بإصبعي ثم على بيوتكم التي تُهدم، ونسائكم التي تُشرَّد، وحتى لو أشرتُ للعطش الذي يُصيبكم والجوع الذي لحق بكم لن تقفوا معي، وستقولون إنَّ هناك شيئاً آخر يجب فعله غير إدانة القاتل، كأن يكون مصافحته أو تجنّب المصادمة معه أو الاختباء من أمام عينه، لكنكم نسيتم أنه منذ وُلدتم واسمه يدور في أفواهكم، وتعرفونه حقّ المعرفة لكنكم تتجنّبون الحديث عن قاتلكم وقاتلي، بينما أنا ما زلتُ أُشير بإصبعي نحو التلفاز.
* كاتب من العراق، وعنوان القصة مقتبس من قصيدة "توأم" للشاعر العراقي أحمد عبد الحسين، من ديوانه "دليلٌ على بهتان العالم"