يسعى المخرج السوري علي صطوف إلى تقديم بطلة مسرحيته "نديمة"، التي انتهت عروضها أخيراً على خشبة "مسرح القباني" في دمشق، بوصفها واحدة من النساء السوريات اللواتي يدفعن ثمن التغريبة الكبرى التي يعرفها البلد. يريد أن يقول إن قصتها كقصص كثير منهنّ، ومعاناتها من معاناتهن. لكن، هل نجح في ذلك؟
عبر مونودراما تدوم خمسين دقيقة، تستعرض نديمة (روبين عيسى) قصتها، هي التي دفع بها النزوح إلى السكن في قبو بناية في وسط العاصمة. هذا ما يكشفه العرض من خلال فضائه الواقعي، حيث تقطع حبال الغسيل القبو إلى حيّزين، بينما تشغل السينوغرافيا براميلُ غسيل متناثرة على الخشبة.
بيد أن الرؤية الإخراجية القريبة من الطبيعية لفرط واقعيتها (مياه الغسيل والصابون تغرق خشبة المسرح)، تأتي متناقضة مع خيار "المونودراما" القائم على الخيال وتشخيص الممثل لأكثر من دور. فالمونودراما، بطبيعتها، قائمة على كسر الإيهام الذي يسعى العرض إلى تحقيقه عبر فضائه الواقعي.
تروي نديمة، عبر مونولوجات متلاحقة، حكايا نساء من أعمار مختلفة، كقصة أم البنات التي نذرت نفسها لله كي تحبل بولد؛ وقصة الطفلة التي فقدت ألعابها بعد أن شُرّدت من بيتها؛ لكنها تحكي، بصورة أساسية، قصتها بالذات، وكيف وصل بها الحال إلى ما هي عليه. غير أن قصّها لا يتجاوز السطح الأول من السرد، إذ تتحدث عن قضايا يومية في حياة المرأة لا ترقى إلى مصاب المرأة السورية الجسيم.
كما لا تفلح في طرح مقاربة أصيلة لمعاناة هذه الأخيرة في ظل كل ما يحدث اليوم. ناهيك عن نأيها بنفسها عن أي مقاربة سياسية لما أوصلها، هي نفسها، إلى ما هي عليه، وعن تناقُض خطاب هذه المرأة أحياناً مع بنية شخصيتها.
فنديمة، الفتاة البسيطة الآتية من قرية نائية، تحمل خطاباً ذا لغة عالية لا يتناسب وبساطتها المطروحة في العرض. ولأن حكايا نديمة لا تتحلّى بمعالم واضحة، فإن القصة التي ترويها تختلط على المتلقّي. هل هي قصتها أم قصة امرأة أخرى؟ يمكن ردّ هذا الالتباس إلى ركاكة نص المونودراما الذي فشل في الانتقال من قصة إلى أخرى، ومن الذاتي إلى العام، من دون أن يختلط ذلك على المُشاهد.
من جهة أخرى، لم تتمكن الممثلة روبين عيسى من ضبط المحور الأساسي في المونودراما، أي علاقة الممثل مع الأغراض المستخدمة على الخشبة. هكذا، التزمت بـ "ثيمات" أداء ميكانيكية، تؤدّيها بين الفينة والأخرى، وتأتي خارج السياق الواقعي الذي يسعى خلفه العرض، مثل غسْل يديها في إحدى براميل الغسيل بحركة تفتقد للواقعية، وميلها إلى الاستعراض بدلاً من معايشة الشخصية.
"نديمة، سيّدة الجنّة، جسدها يروي تراب بلدي". بهذه الكلمات قدّم علي صطوف بطلة مسرحيته، وكأنها أيقونة المرأة السورية اليوم. لكن ما نشاهده على "مسرح القباني" لا يقارب حقيقة من الواقع السوري، بعد أربع سنوات من الموت والتشرّد.