ما زال عرض مسرحية "الحالة عاديّة" مستمراً في "قاعة المونديال" في تونس، وهو مقتبس عن "النجاة"، إحدى مسرحيات الروائي المصري نجيب محفوظ، وقد أعده وأخرجه للخشبة التونسية المخرج حسن المؤذن.
يلفّ أحداث المسرحية قدر من الغموض، كما أنها مشحونة بالدلالات والمشاهد الشعرية، فالمؤذن شاعر في المقام الأوّل، تمكّن من جعل هذا العمل جوقة من الأضواء والأصوات والحركات. لكنّ هذه الشاعرية في الإخراج لم تكن مفرغة من المعنى، بل أضاءت على نصّ المسرحية الذي ينطوي على رموز كثيرة.
ولا شكّ أنّ المؤذن، وهو يقتبس هذه المسرحية، كان يريد أن يقرأ الحاضر من خلال الماضي، أن يستنطق اللحظة الراهنة من خلال التاريخ. مع ذلك، لم يتمكن العرض من رصد علاقات المناسبة والمشابهة بين فترة الستينيات التي صوّرها محفوظ وبين ما تعيشه تونس اليوم. وعبثاً، حاول المخرج أن "يسقط " زمناً على آخر، فالمسافة ظلّت بعيدة بينهما.
كان محفوظ قد كتب "النجاة" في لحظة تاريخية خطرة بين حدّين: الأول هزيمة يونيو 1967، والثاني توقيع معاهدة السلام مع العدوّ الإسرائيلي 1979. وهو ما يعني أن هذه المسرحية تعبّر عن ذلك الزمن المتوتر بين الهزيمة على يد "إسرائيل" والسلام معها. لذلك، يبدو إسقاط هذه العمل على المجتمع التونسي مفتعلاً. نضيف إلى ذلك أنّ المؤذن لم يقتبس في الكثير من مشاهد النص الأصلي، وإنّما أعاد كتابتها، وتعمّد إفراغ أبطال المسرحية القديمة من شحنتهم الميتافيزيقيّة، وحوّلهم إلى رجال جوف، لا غاية لهم في الحياة سوى إشباع رغباتهم والبحث عن عوالم موهومة يدفنون فيها خوفهم وحيرتهم.
هذه الملاحظات لا تحجب قيمة "الحالة عادية"، فهو عمل يستعيد الحالة المحبطة التي عاشها الإنسان العربي في لحظات مفصلية من التاريخ، ورغبته في الهروب إلى منافذ صغيرة قد يجدها في حياته الخاصة.
كما أن العمل يندرج ضمن أعمال المؤذن الأخرى التي تسعى إلى تحويل الخشبة إلى فضاء لحركات الممثلين، يملؤونها بحضورهم القويّ. فالمسرح هو في المقام الأول تحرير لطاقات الممثل الخفيّة وإطلاق لقواه الروحية المضمرة. وقد جسّد شخصيات "الحالة عادية" الممثلون روضة المنصوري وفتحي المسلماني وتوفيق البحري ووليد الغربي وياسين عمار، في حين وضع الموسيقى ربيع الزموري، وصممت السينوغرافيا زهرة الوسلاتي.
هذه ليست المرة الأولى التي يُقدَّم فيها نص "النجاة" على المسرح، فقد سبق وأخرجها المصري توفيق جلال ولعب دور البطولة فيها نجله ياسر جلال، بعد أن تمكن بصعوبة شديدة من إقناع ورثة نجيب محفوظ، إذ كان هؤلاء رافضين لاستخدام إبداعات محفوظ في أي أعمال فنية. ولإقناعهم والحصول على موافقتهم، اضطر جلال إلى تمثيل المسرحية أمام المحامي، مشهداً مشهداً.
يشار إلى أن نجيب محفوظ كتب ثماني مسرحيات نشر معظمها في العام 1967 في جريدة الأهرام، وكانت "النجاة" واحدة منها.