"جيش الإنقاذ" فيلم (84 دقيقة) للروائي المغربي عبد الله الطايع (1973) يروي فيه جانباً من سيرته في مدينتَي سلا المغربية وجنيف السويسرية. وهو أول عمل سينمائي للطايع، اقتبسه من روايته التي تحمل نفس العنوان وصدرت بالفرنسية عن دار Seuil الباريسية (2006).
بطل الفيلم شاب مثلي يدعى عبد الله ويعيش مرحلة المراهقة داخل طبقة اجتماعية فقيرة، ضمن منظومة تطغى عليها القسوة والوحدة واليأس؛ ما سيدفع الشاب إلى محاولة الخروج من محنته عبر دراسة اللغة الفرنسية، ومصادقة "سائح أبيض" سيؤمن له منحة دراسية وتأشيرة سفر إلى جنيف.
يضعنا الفيلم منذ البداية في جحيم منزل عبد الله المقسم إلى ثلاث غرف: غرفة الأب وغرفة الأخ الكبير سليمان، وغرفة باقي أفراد العائلة ـ الأم وخمس فتيات ومصطفى الصغير والصبي عبد الله. ويطغى على الدار جو مشحون بالعوز والقمع المتبادل من قبل جميع الأطراف، حيث تتكدس الأجساد في غرفة واحدة، ويضرب الأب الأم بعد ممارسة الجنس. أما عبد الله فيتعرض إلى الاعتداءات الجسدية والجنسية خارج المنزل.
باختصار، يمنحنا الطايع صورة مقرَّبة لواقع مفزع أراد تعريته وتصويره على طبيعته عبر مشاهد مكثفة ونابضة، تغرف من الحياة اليومية لا للمغرب فقط، بل للعديد من المجتمعات العربية التي تشترك في نفس منظومة الفقر والقمع. ولعل هذا ما يفسر عدم تمكّن عبد الله المطأطأ الرأس، لكن الذكي والرافض في نفس الوقت؛ من رفع رأسه إلا في المشاهد الأخيرة من الفيلم، عندما يفترق عن صديقه السويسري في جنيف، وينتهي به المطاف داخل جمعية "جيش الإنقاذ"، وهو مكان يأوي إليه المشردون.
اللون الرمادي والإضاءة الخافتة يسيطران على الفيلم بشكل عام، ويضعا المُشاهد في جو باهت لا أبيض فيه ولا أسود، تختنق الألوان والبشر فيه على حد سواء. ورغم مجازفة الطايع بتخليه عن الموسيقى، إلّا أن الفيلم يظل شاداً للانتباه ومؤثراً في معظم مقاطعه. وحول هذه المسألة، يقول الطايع: "لم أسمع موسيقى أثناء اشتغالي على الفيلم، ووجدتُ المشاهد كافية والموسيقى لن تضيف شيئاً".
الممثلون غير معروفين، وغالبيتهم ظهروا على الشاشة للمرة الأولى. ويفسّر الطايع خياره هذا بقوله: "أردتُ ممثلين أقرب إلى الناس العاديين في الشارع، وليسوا نجوماً أو محترفين". وفي عمله، استعان بالمصورة السينمائية الفرنسية "أنييس بودار" التي ارتبط اسمها بمخرجين مهمين. أما التصوير فتمّ في الدار البيضاء وجنيف، بينما جاء السيناريو متقشفاً لدرجة جعلت الفيلم يقترب من الأفلام الصامتة؛ إذ اكتفى الطايع بالإشارة والتلميح، من منطلق أن "خير الكلام ما قل ودل".
وكان يمكن لهذا التقشف في معظم عناصر الفيلم ولحركته البطيئة بشكل عام أن يُسقطاه في جو من الرتابة والملل، لولا محافظة الطايع على الأجواء المشحونة والمشوّقة حتى آخر لحظة منه، وطرحه الفني الجريء لموضوع حسّاس بعيداً عن الكليشيهات والقوالب المبتذلة.
تم استقبال الفيلم بحفاوة واضحة في العديد من العواصم الأوروبية، وشارك في مهرجانات مهمة، كمهرجانَي البندقية وتورنتو. وحصل على عدة جوائز، منها الجائزة الكبرى في "المهرجان الأوروبي للأفلام الأولى" في مدينة أنجيه الفرنسية، و"جائزة الحكّام" في مهرجان جنيف السينمائي. أما في المنطقة العربية فكانت مشاركة يتيمة في "المهرجان الوطني للسينما المغربية" في طنجة، وتم التعاطي مع الفيلم "بالضحك والسخرية وكأنه فيلم كوميدي".
قبل تجربته الأولى في الإخراج، كتب الطايع عدة روايات باللغة الفرنسية، تُرجم منها إلى العربية عمل واحد "يوم الملك" (دار الآداب 2011). لكن حلم الطايع الأول كان أن يصبح مخرجاً سينمائياً لا كاتباً. وقد لجأ إلى الكتابة لأنها أتاحت له التحكم بالأشياء حوله وساعدته على التخلص من "إحساسه بالفقر والظلم" اللذين طارداه لوقت طويلٍ، قبل أن يقرر مطاردتهما بأعماله.