بعد أن رصدوا ميزانية ضخمة لإنتاجه (وصلت إلى 40 مليون دولار)، يبدو أن القائمين على فيلم "محمد رسول الله" راضون اليوم على رهانهم. فالقاعات التي بدأت تعرض العمل منذ أواخر آب/ أغسطس الماضي، لا زالت تسجّل حضوراً جماهيرياً لافتاً.
الفيلم الذي جرى تمويله جزئياً من قبل الحكومة، عرف حملة ترويج مكثّفة قبل خروجه للعرض، وهو ما يفسّر نجاحه في الداخل الإيراني. هذا النجاح نفسه دعا المنتجين إلى التفكير في خطوات جديدة والوقوف بالعمل الذي يفخرون به على عتبات العالمية.
أول خطوة في هذا الاتجاه، كانت الدعوة إلى ترشيح الفيلم لجائزة الأوسكار. وفي هذا الإطار، يتحدّث البعض عن نية المنتجين في تحويله إلى فيلم عالمي.
رغم بعض التحفّظات عليه، حقق الفيلم إيرادات عالية. فبعد أسبوعين من عرضه في 40 قاعة في طهران و88 قاعة في المحافظات الأخرى، تجاوزت إيراداته المليون دولار.
في 170 دقيقة، يصوّر المخرج مجيد مجيدي قصة حياة الرسول محمد، منذ ولادته حتى عمر 13 سنة. يظهر من يجسّد شخصية النبي بشكل فتى صغير، من دون أن تظهر ملامح وجهه. وفي بعض المشاهد يُسمع صوت الفتى. وهذا الفيلم هو جزء من سلسلة أفلام ينوي مجيدي إنتاجها خلال السنوات القادمة، ليكمل فيها سيرة حياة نبي الإسلام.
صُوّر الفيلم في مدينة تم بناؤها وتجهيزها خصّيصاً، بالقرب من طهران، إلا أن فريق العمل اضطرّ إلى تجسيد بعض المشاهد خارج البلاد، كمشاهد واقعة "أصحاب الفيل"، التي جرى تصويرها في أفريقيا الجنوبية. كما شارك في الفيلم طاقم عمل أجنبي، إذ قاد فريق التصوير الإيطالي فيتوريو ستورارو، وتولّى مهمة الموسيقى التصويرية الفنان الهندي رامان (الحائز سابقاً على جوائز أوسكار).
أثار ذلك بعض الانتقادات في الداخل، بينما اعتبر القائمون على الفيلم أنه من الضروري الاستفادة من خبرات الآخرين لنقل السينما الإيرانية إلى مرحلة أكثر تقدماً.
عموماً، لا يمكننا الحديث عن موجة انتقادات حول الفيلم في إيران، على عكس ما تعرّض إليه من انتقادات في الخارج، عربية بالخصوص، لا سيما تلك التي وجّهها الأزهر إلى الفيلم، وهي انتقادات لم تصل بشكلها السجالي إلى داخل إيران، حيث أن مبدأ الفيلم يلاقي الثناء، فيما يُنتقد في إطار ملاحظات تاريخية؛ منها أن المخرج أعطى عدداً من المشاهد بعداً أسطورياً خيالياً، حتى وإن كان يدور حول قصة حقيقية.
نقّاد السينما، من جهتهم، اعتبروا هذه النقطة إيجابية، متوقّعين بأن تكون للعمل مكانة مختلفة بين أفلام التاريخ الإسلامي، لأنه أُنجز بطريقة مختلفة عن تلك الأفلام التي تروي قصصاً من حقب مقاربة، فتمّ التركيز فيه على علامات النبوة لدى الرسول محمد، وعلى الصفات المحبّبة في شخصيته بطريقة تجعله قريباً من المشاهد.
يقول الناقد السينمائي جبار آذين، في حديث إلى "العربي الجديد" إن "التقنيات الجديدة المستخدمة في التصوير وفي توظيف المؤثّرات الخاصة، جعلت الفيلم يختلف عن بقية الأفلام التاريخية الإيرانية"، معتبراً أن "التركيز على هذه الفترة الزمنية من حياة الرسول، هي ما ستجعله فيلماً مختلفاً عن غيره، وستساعد مجيدي على تسويقه عالمياً".
في الوقت نفسه، يرى آذين أن "السيناريو والحوار كانا ضعيفين في عدد من مشاهد الفيلم، وقد يكون السبب عدم قدرة المخرج على تجسيد وجه النبي أو جعله جزءاً رئيسياً من الحوار، فحاول الالتفاف على الموضوع. وهو ما تسبّب في ضعف في السيناريو أحياناً".
يعتبر آذين أن هناك مشكلات فنية وتقنية في بعض المشاهد التي استُخدمت مؤثّرات فيها، كمشاهد واقعة "أصحاب الفيل" في بداية الفيلم، فرغم الغرافيك والمؤثّرات الخاصة التي أُنجزت بتكنولوجيا متقدّمة، إلا أنها بدت ضعيفة في بعض الأحيان، وكان من الممكن أن تبدو أكثر واقعية، حسب تعبيره.
من جهته، يعتبر منتج الفيلم محمد مهدي حيدريان أن "إعطاء الفيلم طابعاً يختلف عن بقية أفلام التاريخ الإسلامي أمر إيجابي، حتى وإن رأى البعض أن عدداً من المؤثّرات لا تناسب القصة". يضيف: "الفيلم موجّه إلى غير المسلمين، وتم تصويره بهذه الطريقة بشكل مقصود، مع الانتباه إلى ضرورة نقل الوقائع بشكل دقيق".
ويرى حيدريان أن ميزانية الفيلم كانت "متوسّطة وليست ضخمة"، متوقّعاً أن تكون مبيعاته أكثر بكثير من تلك التي حقّقها حتى الوقت الحالي، كون القائمين عليه يسعون إلى تسويقه عالمياً.
يشير المنتج الإيراني إلى أن العمل على جمع المعلومات المتعلّقة بهذه الفترة التاريخية استغرق عامين كاملين، مؤكّداً صعوبة الأمر: "كل المتوفّر عن تلك المرحلة لم يتجاوز سبع صفحات في كتب التاريخ الإسلامي، لذلك اعتمدنا على أشعار العصر الجاهلي للتعرّف على بيئة ذلك العصر، كما اعتمدنا على بعض الأسفار الموثّقة، لنخرج بهذا الفيلم الذي شارك في كتابته خبراء في التاريخ الإسلامي من السنة والشيعة".
يردّ حيدريان على انتقادات الأزهر قائلاً: "إنها أحكام مسبقة، فالانتقادات توُجّه إلى الفيلم كونه إيرانياً، قبل أي شيء".
من هنا، يدعو إلى النظر إلى السينما كوسيلة فنية لإيصال رسالة ما، مضيفاً أن الثقافة الغربية تقوم على الصورة وعلى التجسيد، بينما الثقافة الشرقية مكتوبة في الغالب، والفيلم محاولة للجمع بين الأمرين، مضيفاً أنه من الضروري تعريف العالم بشخصية الرسول محمد.