لعل التنوّع الجغرافي والمناخي يمثّل مفتاحاً ضرورياً لقراءة الأدب العُماني، الذي تتضحُ نصوصه عبر المكان، حيث تحضر عناصر هذا الأخير في عدة مستويات من الخطاب الأدبي، متشابهة في التناول والاعتراف بوجوده وتغلغله في المدوّنة الأدبية.
يرى الناقد والشاعر العراقي عبد الرزاق الربيعي، المقيم في عُمان منذ عقد ونصف العقد، في حديثه إلى "العربي الجديد" أن "الاشتغال على المكان في الإبداع العماني على الأغلب هو عزف على ثلاثة أوتار، هي: البحر والصحراء والجبل".
يأخذ الربيعي مثال التجربة الإبداعية للشاعر العماني سيف الرحبي الذي "يتأمّل في نصوصه الشعرية القضايا الكونية ويطرح أسئلة الوجود على الصحراء والجبل والبحر، حتى حين يكتب عن "سوق مطرح" في قصيدة "حب إلى مطرح" يقول: "حين تمددت لأول مرةٍ / كان البحر يشبه أيقونةً / في كف عفريت".
يوضح الربيعي أن "البحر عنوان واسع من عناوين التجربة الإبداعية العمانية، خصوصاً أن الجغرافيا العمانية تمتدّ على بحر العرب المترامي الأطراف، ليكوّن حالة شعرية تجتمع بها عناصر جمالية تستفيد منها النصوص، مثل الماء والاخضرار والطيور والسفن"، مشيراً إلى دراسة الباحثة سعيدة بنت خاطر للشعر العماني، حيث قالت إن "بصمات البحر" هو عنوان يناسب التجربة الشعرية في عُمان، وذلك "للدلالة على العلاقة التبادلية الوثيقة بين البحر وبين إنسان الخليج العربي عموماً، والعُماني بشكل خاص".
أما الصحراء، فيتطرق إليها الربيعي قائلاً "إن الشاعر ينهل منها غموضها وتناقضاتها واكتنافها بالأسرار". وبشأنها، يقول الشاعر طالب المعمري: "الحياة في الصحراء مكشوفة حد الفضيحة وساترة حد الحشمة ملتقطة بالعين المجردة، وغامضة على العين حد الالتباس، كما الشعر والحكمة".
وبخصوص الجبل، يضيف المعمري "دنو الشعراء من شعابه وذراه وسلاسله، جعل منه رمزاً، يتماهى مع سواه من رموز تحتفل بها القصيدة الجديدة"، مؤكّداً على أن الشاعر العماني شغوف "بعالم الجبل، واستهواه كعلامة واضحة، من خلال شموخه وأنفته وقوته وجبروته وجلده وهو يرسخ دعاماته عميقاً في المكان، لا يبرحه، أنّى واجهته عاصفة أو ريح أو سيل عارم".
وفي دراسة حديثةٍ للباحثة العُمانية فوزية بنت سيف الفهدي، حملت عنوان "المكان في القصة العُمانية.. الواقع والمتخيل"، أشارت إلى أن الإنتاج القصصي العُماني خلال الفترة بين 1993 و2003 ينقل المكان بشيء من متعلقاته؛ ما يعني أنه لم يحضر صراحة وبشكل مباشر، إنما تم التدليل عليه بواسطة متعلقاته التي تعزّز أصالته وتفرّده من خلال ذاكرة الشخوص حيناً وذاكرة القاص حيناً آخر، أو من خلال حركة الشخوص في المكان وتنقلهم وتجوالهم في أنحائه وزواياه أو من خلال علاقات التضاد والتناقض القائمة بين الأمكنة، والتي تشوب علاقات الأفراد داخل المكان، أو حتى من خلال ترجمة علاقة الإنسان بالمكان كإبراز جمالياته وتكيفه وتعلقه به ليدلل على تميزه عن بقية الأمكنة.
من جهتها، تؤكد الكاتبة العمانية فاطمة الشيدي أن "للقلب ذاكرة حية، وعصية على النسيان والموت، والمكان جزء من تلك الذاكرة. الأمكنة ليست حواف الكون، وليست خرائط الخارج الصماء ولا مجرد تضاريس في وجه الكرة الأرضية العجوز".
وتقول الشيدي إنّ "المكان هو ألوان الذاكرة المترسبة في الأعماق"، تحدّد هذه المقاربة اللونية بالقول "الأزرق هو البحر الذي تذوقنا ملحه، والأخضر هو "السدرة الأم" برمزية الحنان المتسرب من أفنانها الغضة، واللون البني هو الحناء المتضوع من ردن الجدة الحكيمة". تضيف: "المكان الذي ليس غواية، يؤثث للذاكرة بروائح الحزن والعشق. الأمكنة تسكننا وإن لم نسكنها".
على المستوى النقدي، يبدو هذا الاعتراف بالمكان واضحاً. ففي دراستها، خلُصت الباحثة عزيزة الطائي إلى أن "المكان في الرواية العمانية يعد مشروعاً سردياً مهماً"، معتبرة أن "تاريخ مكان الإنسان لا يدوّن بما يحمله من دلالات في أدق خصائص حياته سوى الأدب"، مشيرة إلى أن ارتباط المكان في "الروايات العمانية ببيئتها خلال هذه الفترة (المعاصرة) يظهر بصورة أقوى وألصق من المراحل السابقة".
ترى الطائي أن المكان في النص الروائي العماني تميّز بالتنوّع؛ "فلا وجود لمكان واحد فقط في الرواية؛ هناك دائماً إطار مكاني عام، وأمكنة متعددة داخل هذا الإطار، حتى الروايات التي تُحصر فيها الأحداث في إطار مكاني صغير أو ضيق، تأتي مشتملة على عدة أمكنة داخل هذا المكان"، منوهةً إلى "تأثير طبيعة المكان (قرية أو مدينة) على نوعية الأحداث والقضايا المطروحة في عدد من الروايات التي كان المكان فيها حاضراً بصورة فاعلة، بوصفه جزءاً صميماً في بنية العمل، وعنصراً فاعلاً يؤثر ويتأثر بالعناصر الأخرى".