يُمكن لأي كاتب موهوب أن يكتب أدباً جيّداً عن قضايا غير أخلاقية؛ كأن يصدر أحدهم رواية تُبرّر الاحتلال وتُجمّل القتل واستباحة شعوب أخرى. لكن أين مكان هذا الأدب وموقفه من التاريخ والإنسانية؟
مثلاً، نقرأ خبراً، أول أمس، عن أحد الجنود الأميركيين ممّن شاركوا في احتلال العراق (2003)، وقد أصبح كاتباً، لا بل وحاز جائزةً أدبيةً منحته إيّاها "جامعة ووريك" البريطانية، عن مجموعة قصصية له بعنوان "إعادة انتشار" (2014).
فيل كلاي (1983) ضابطٌ سابق في مشاة البحرية الأميركية، كان من بين الجنود المحتلّين في الأنبار بين سنتي 2007 و2008. بعد عودته إلى بلاده ومغادرته الجيش الأميركي في 2009، تلقّى دروساً في الكتابة الأدبية في جامعة نيويورك، ربّما كانت جزءاً من العلاج النفسي الذي يخضع له الجنود العائدون من الحرب.
على صفحته في فيسبوك، يعلّق القاصّ العراقي حسن بلاسم حول هذا الخبر: "لا تتعلّق المسألة بكاتب جيّد أو أدب عظيم، لكنّ المهم هو السؤال الأخلاقي: إن قتل عراقيّ مواطناً أميركيّاً، ثمّ كتب كتاباً رائعاً، هل تظنّون أن أيّ بلد غربي سيعطيه جائزة؟ إنّني أتحدّث عن النفاق".
لكن يبدو أن رئيسة لجنة تحكيم الجائزة، الكاتبة آل كيندي، لم تلحظ هذا النفاق، ولم تنتبه لا هي ولا اللجنة التي ترأسها إلى البعد الأخلاقي الذي يتحدّث عنه بلاسم. فقد وصفت العمل بأنه "مؤثّر للغاية"، وانتبهت جيّداً إلى أنّ "أسلوب الكتابة مُحكم بصورة ملفتة، ويظهر الكثير من الحساسية في التعامل مع الموضوع. كما تُبرز المجموعة قدرة حقيقية على إبراز الجوانب النفسية والأصوات المختلفة".
واعتبرت أنّ الكاتب "عكس تجارب واسعة وترجم خبرته الشخصية إلى عمل أدبي روائي"، وأن المجموعة "تناقش بصراحة مدهشة واحدة من الحروب التي رسمت ملامح عصرنا".
يبدو أنّ آل كيندي، التي تُسهب في الحديث عن حساسية الكتابة، نسيت، أو تناست، أنّ الكاتب في النّهاية هو جندي كان جزءاً من احتلالٍ شاركت بلادها فيه. والأغرب، أنّها تُشيد بإبرازه "أصواتاً مختلفة"؛ وكأنّه أجرى لقاءاتٍ مع مواطنين عراقيين مثلاً، وأخذ رأيهم في احتلال بلادهم.
لم تمثّل تلك "الأصوات المختلفة" سوى طرف واحد من الحرب، لم يفكر بإبداء الندم والاتذار للشعب العراقي. أمّا "الصراحة المدهشة" (وهي وقاحة في الصّحيح من التعبير)، فلم تصل إلى حدود طرح أسئلة جوهرية عن أخلاقية الاحتلال وعن ضحاياه من العراقيين.
يسأل بلاسم الكاتبَ كلاي المقتنع بأنّه كان في مهمّة وطنية لـ "تحرير" العراق عن عدد ضحاياه، وإن كان يعرف اسم أيّ منهم.
اقرأ أيضاً: محسن الخفاجي: فصلٌ في جحيم بوكا