مرّر عملان مُترجمان من أصل ثلاثة، صدرت الفترة الأخيرة، مرويّات عن الهولوكوست للقارئ العربيّ بشكل مباشر، في حين أخفى الثالث جنسيّة المؤلف الإسرائيليّة وخلفيّته كمتخصّص في اللغات الساميّة القديمة.
حجبَ "المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب" جنسيّة مؤلف العمل الأخير المترجم في سلسلة عالم المعرفة عدد شهر أكتوبر، المعنون "عبر منظار اللغة" للإسرائيليّ غاي دويتشر، بالإضافة إلى حجب تخصصه في اللغات الساميّة القديمة.
وكان العدد الذي سبقه لشهر أيلول/ سبتمبر "الطفولة في التاريخ العالمي" للأمريكي بيتر ن. ستيرنز ينوّع على المرويّات الصهيونيّة للهولوكوست من خلال تناوله عدد الأطفال اليهود، دون سواهم، الذين ماتوا في المحرقة، بالإضافة إلى تحديده عدد هؤلاء الأطفال (1.5 من أصل 1.6 طفل يهودي عاش في أوروبا دون روسيا) مستبعدًا أطفال كلٍ من: الغجر، البولونيين، وأبناء العائلات الشيوعيّة، وفي يقينٍ لتحديد العدد لم يسبقه إليه أحد، بل وجعل عنواناً لضحايا الحروبِ الأطفالِ، من هم من اليهود.
قبل هاتين الترجمتين، كان لعمل مدير المركز الثقافي في تل أبيب والمشتغل بالفلسفة الفرنسي كريتسيان دولاكومبان، "تاريخ الفلسفة في القرن العشرين"، الصادر عن "جداول" و"مؤمنون بلا حدود"، الحصة الأكبر في تقديم المرويات الصهيونيّة عن الهولوكوست للقارئ العربي، من خلال دوران العمل في معظمه حول إسهامات اليهوديّة، والصهونيّة، وإسرائيل، على حد سواء، في الحراك الفلسفيّ، ذاكراً خلال العمل، توصيفات من مثل: الصهيونية الروحيّة، الصرح الأخلاقي الإسرائيليّ، والإرهابيين الفلسطينيين.
ودون خجلٍ، يعترف دولاكومبان: "إنّ آرائي المسبقة لا تكشفُ عن نفسها فقط في اختياري للفلاسفة الذين أعتبرهم مُهمين، بل إنّها تظهرُ أيضاً في الطريقة التي عرضتُ بها أطروحاتهم أثناء مناقشتها"، حيث يظهر ذلك في تتبعه الحثيث بقدر استطاعته كلّ من أيّد أو سجّل موقفاً ضد اليهود وإسرائيل، من الفلاسفة، لدرجة أنه وفي مواضع كثيرة من العمل خرج عن الفلسفة وتيّاراتها، ليمتدح المشروع الفكري لنصوص دينيّة يهوديّة، بل وأفرد فصلاً كاملاً لهذه الدعاية أسماه "التفكير في أوشفيتس".
كانت هناك على الدوام جهود تقوم بها "إسرائيل" عبر سفاراتها حول العالم، تحديداً في الدول الأكثر عزلة، لتسويق نفسها كحاضنة للثقافة، من خلال تبنيّ مشاريع كتّاب حتى لو ظهروا بأنهم في الجهة المقابلة لها.
ولعلّ المثال الأكثر جلاء في هذه النقطة، دور الملحقيات الثقافية لها في أمريكا اللاتينية في عمليّة النشر، وكان المثال الأبرز عند الروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز الذي اعترف أن الملحق الثقافي في سفارة إسرائيل دون صامويل ليزمان باوم زاره، وطلب منه شيئاً للنشر، فقدّم ماركيز -الذي كان يعاني من الإهمال في بداياته- نسخة من"عاصفة الأوراق"، لتنشر الملحقيّة بعد خمسة أشهر من اللقاء وعبر دار "سيب" في بوغوتا 4 آلاف نسخة من العمل.
أما الجهد الثاني لإسرائيل، فكان في إسالة لعاب الكثير من الكتّاب بما تمنحه من الجوائر، خاصة "جائزة القدس"، حيث دفعت الجائزة في كثير من الأحيان كتّاباً لتبني مروياتها في خطاباتهم على الأقل، كما ظهر ذلك عند ميلان كونديرا الذي كرّر أكثر من مرة في مقالاته، ما يتوافق مع المروّيات التوراتيّة في "عودة اليهوديّ" ومن ثم مدحه لإسرائيل عقب تسلّمه الجائزة عام 1985 إذ يقول في مقال له بعنوان "جائزة القدس" منشور في كتابه فن الرواية: "بتأثر عميق تسلّمت الجائزة التي تحمل اسم القدس وعلامة الروح اليهودية الكوزموبوليتانيّة... وإنني اعتبر إسرائيل قلب أوروبا الحقيقيّ، المزروع خارج الجسد".
في حين برّر آخرون تحت وقع فتنة الجائزة، رغم معرفتهم بممارسات إسرائيل، تقبّلهم لها، كما يظهر في تصريح الكاتب الإسباني أنطونيو مونوز مولينا الحاصل على الجائزة عام 2013 بأنه لا يعتقد أن قبول الجائزة سيجعل منه متورطاً في السياسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.
أخيراً تحمل إسرائيل مرويّاتها حول العالم، عن "المحرقة" ودور إسرائيل في "الحرية الإنسانيّة" مع كيس عطايا، لكن، أن يبادر من هم من المفترض في الجهة الأخرى بحمل هذه المرويّات فذلك هو السؤال الذي على الضحيّة أن تسأله لنفسها قبل أيّ أحد آخر.
اقرأ أيضاً: بيتر سترنر: تاريخ الطفولة ومعضلة السعادة