لم يتأخر ظهور السينما في مصر عن نظيرتها في أوروبا، فقد شهدت حديقة الأزبكية في القاهرة سنة 1897 عرض أول شريط سينمائي، بعد عامين فقط من عرض الإخوان لوميير فيلمهما "وصول القطار إلى محطة لاسوت" سنة 1895.
أما صالات العرض فقد ظهرت سنة 1900، وبعدها شركات الإنتاج واستوديوهات التصوير، تمهيداً لظهور أول الأفلام الروائية الطويلة، مع بداية العشرينيات.
هذا التاريخ المبكر لظهور السينما في مصر، سمح أيضاً بالتفكير في مختلف جوانب الفيلم السينمائي، بعد استمرار إنتاج الأفلام الصامتة. ففي عام 1930، فكّر المخرج محمد كريم (1896 ـ 1972)، بتقديم أحداث فيلمه "زينب" مصحوبةً بمعزوفة موسيقية تم تسجيلها في استوديوهات مصر، كأول تجربة لإلحاق الموسيقى بالسينما، الأمر الذي مهّد الطريق أمام السينمائيين من بعده للتّفكير في الموسيقى التصويرية.
وأثناء بحث هذا المخرج عن بطلة لفيلمه، سيكتشف، صدفةً، بهيجة حافظ (1908 ـ 1983)، من خلال صورة لها على غلاف إحدى المجلات، وبعد دخولها عالم السينما من بوابة "زينب"، ستكون صاحبة أول تجربة في إدخال الموسيقى التصويرية إلى السينما المصرية، عندما لحّنت 12 مقطوعة خصيصاً للسينما، كما وضعت الموسيقى التصويرية لفيلمي "ليلى بنت الصحراء" و"الضحايا". وإلى جانب تجربتها الموسيقية، اقتحمت عالم التمثيل والإنتاج السينمائي.
ويُعدّ اليوناني أندريه رايدر (1908 ـ 1971)، من أبرز رواد هذا الفن، إذ تم اختياره كأحسن مؤلف موسيقى تصويرية في مئوية السينما المصرية بمسيرة امتدت من 1954 حتى 1971، صنع فيها موسيقى تصويرية لأكثر من ستّين فيلماً، كانت تتدخّل في مشاعر التلقي بما تضفيه من جمالية تواكب إيقاعات الدراما في تلك الأفلام. من أشهر أعماله "دعاء الكروان" و"نهر الحب" و"أغلى من حياتي".
من جيل الرواد أيضاً، نجد الموسيقار فؤاد الظاهري (1916 ـ 1988)، الذي انتقل إلى تأليف الموسيقى التصويرية بعدما عُرف ملحّناً وأستاذاً للموسيقى ومشرفاً على الفرق الموسيقية.
تميّز أسلوب الظاهري بالحرص على جمالية الموسيقى العربية، وتقديم ألحان تمزجها مع ما تعلّمه من موسيقى غربية، فأعاد توزيع مجموعة من أغاني كبار الموسيقيين كسيّد درويش.
نجح أسلوبه في مجال السينما، فوضع موسيقى أكثر من 350 عملاً، من بينها "بداية ونهاية" و"بين السماء والأرض" و"لا أنام". إضافة إلى العديد من المسلسلات الناجحة مثل "تاجر البندقية" و"الاعتراف" و"العسل المر".
ويشتهر المؤلف الموسيقي علي إسماعيل (1922 ـ 1974)، بوضعه إيقاعات سريعة مع تغليب آلات النفخ والتركيز على أصواتها. أسلوب جديد لاقى نجاحاً لافتاً خصوصاً لدى الشباب، فانتقل به إسماعيل إلى السينما، ووضع الموسيقى التصويرية لأكثر من 250 فيلماً، منها "عاشور قلب الأسد" و"المماليك" و"الإخوة الأعداء".
ولا يمكن الحديث عن الموسيقى التصويرية، من دون الوقوف عند تجربة الموسيقار عمار الشريعي (1948 ـ 2012)، إذ وضع موسيقى العديد من المسلسلات والأفلام السينمائية (قرابة 150 مقطوعة)، من أبرزها مسلسل "رأفت الهجان" وفيلم "البريء" و"حب في الزنزانة" و"حليم".
إلى جانب الشريعي، نقف عند مجايله عمر خيرت (1947)، الذي استطاع أن يشكّل أسلوباً موسيقياً خاصاً، يرتكز على محاولات تطويره في الموسيقى الشرقية؛ ما دفعه إلى إعادة توزيع مجموعة من أغاني محمد عبد الوهاب. في 1983، انتقل خيرت إلى تأليف الموسيقى التصويرية حين وضع موسيقى فيلم "ليلة القبض على فاطمة". ثمّ عرفنا أعمالاً أخرى لافتة لصاحب "قضية العم أحمد"، مثل: "الجزيرة" و"تيمور وشفيقة" و"الرهينة".
ولم يكتفِ حلمي بكر (1937)، بالتعاون مع أبرز فناني العالم العربي مثل نجاة الصغيرة وليلى مراد ووردة الجزائرية ومدحت صالح، بل وضع موسيقى لأكثر من 45 مسرحية، إضافة إلى مجموعة ناجحة من الأفلام، مثل "جفّت الدموع" و"الزوج العازب".
مع نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، ظهر جيل جديد من الموسيقيين، كالفنان راجح داود (1953)، الذي وضع موسيقى فيلم "الكيت كات" و"سارق الفرح" و"رسائل البحر" وغيرها. في الفترة نفسها، تعرّفنا أيضاً إلى ياسر عبد الرحمن (1961)، الذي اشتهر بعزفه على آلة الكمان، وعرفه الجمهور من خلال مجموعة من الأعمال الدرامية كـ"المال والبنون" و"حضرة المتهم أبي" و"الليل وآخره"، وغيرها. كما قدّم أعمالاً بارزة في السينما مثل "أيام السادات" و"ناصر 56" و"ملاكي إسكندرية".
رغم قيمتها الكبيرة، ودورها في نجاح الأعمال الدرامية والسينمائية والمسرحية، نجحت الموسيقى التصويرية العربية في الدراما التلفزيونية بينما لم تحقق النجاح نفسه على مستوى السينما.