لا يمكن القول إن عام بيروت الثقافي في 2015 كان حافلاً، لقد ولت السنوات التي كان يحدث فيها الكثير.
بالكاد يمكننا تذكر هذا العام بخير، انتهى بوداع الأب غريغوار حداد، وحملة كراهية على فيروز توازيها حملة دفاع عنها، ومعرض كتاب متواضع لكي لا نقول بائس، وإغلاق الملحقين الثقافيين لجريدتي النهار والمستقبل، والهجوم على المخرجة المسرحية لينا خوري ومحاولة منع مسرحيتها "لماذا رفض سرحان سرحان ما قاله الزعيم عن فرج الله الحلو في ستيريو 71؟" لأسباب تتعلق بالتهكم على القدّاس في المسرحية، ومنع فيلم وثائقي عن الحرب الأهلية للمخرجة اللبنانية رين متري.
الكساد الثقافي ليس مستغرباً إذ يتوازى مع السياسي، ربما يكون لبنان البلد الوحيد في العالم الذي يعيش من دون رئيس، مثلما عاش في وقت من الأوقات من دون حكومة، ولكن ما خيم وهيمن على 2015 هو ملف النفايات الذي ظل مفتوحاً، والحراك الذي تجمّد في أرضه ولم يفض إلى شيء ملموس حقاً، وأثّر على الفعاليات الثقافية والحضور فيها. كما تسربت النفايات لتصبح موضوعاً لعروض مسرحية وتشكيلية.
أبرز التظاهرات الثقافية البيروتية في 2015 كانت تظاهرة "أشغال داخلية" في دورتها السابعة التي تنظمها جمعية "أشكال ألوان"، والتي استقطبت فنانين معاصرين من المنطقة والعالم، وعرضت لمختلف الفنون الأدائية إضافة إلى محاضرات ومعارض تشكيلية.
ومن أبرز العروض المسرحية التي شهدتها العاصمة اللبنانية هذا العام، ثم انطلقت من بيروت إلى تونس وعمّان ثم أثينا وقريباً باريس، عرض "ألاقي زيك فين يا علي" للمخرجة اللبنانية لينا أبيض والذي أدّته الممثلة رائدة طه وتقدّم فيه شهادة على حياتها كابنة الشهيد علي طه، وحياة المرأة الفلسطينية ابنة وزوجة وأخت شهيد.
كذلك هو عرض "أنشودة الفرح" للمخرج اللبناني ربيع مروة والذي كان مثيراً للجدل بسبب ما يطرحه من أسئلة عن صورة المقاومة الفلسطينية في ميونيخ 1972.
وعلى الرغم من أهمية موضوع العرض الأدائي للمخرجة المصرية ليلى سليمان "البيت الكبير"، والذي قّدم لأول مرة في بيروت، إذ تطرق إلى حياة عاملات الجنس والمرخصات من الدولة التونسية في "شارع عبد الله قش"، إلا أن العرض لم يتلق الكثير من الأصداء الإيجابية، فقد افتقر إلى الوضوح في رؤية المخرجة وبدا كما لو أنه بروفا وليس عرضاً ناضجاً.
من العروض التي لقيت نجاحاً مسرحية "بيروت طريق الجديدة" للكاتب يحيى جابر والتي استمر عرضها تقريباً طيلة 2015 والتي أعادت أجواء المسرح الغنائي السياسي والاجتماعي في آن.
فيما يخص الإصدارات، فربما تكون الأبرز هي ترجمات "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" مثل ترجمة كتاب "زمن المذلولين: باثولوجيا العلاقات الدولية" للكاتب الفرنسي برتران بديع وكتاب "اتجاهات معاصرة في فلسفة العدالة، جون رولز نموذجاً" لمجموعة من الباحثين.
وكذلك هي إصدارات "المنظمة العربية للترجمة" التي زودت المكتبة العربية بكتابين لماكس فيبر ومعجم للمسرح إضافة إلى كتاب "مسامرات الأموات" للوقيانوس و"سينما الصورة - الزمن" لجيل دولوز.
إصدارات "منشورات الجمل" كانت ثرية هذا العام من ترجمات لروائيين يقدمون لأول مرة إلى العربية ومجموعات شعرية وكتب دراسات تراثية، من أبرز الكتب التي أصدرتها الدار مجموعة قصصية لسركون بولص بعنوان "عاصمة الأنفاس الأخيرة".
على صعيد الروايات يمكن الإشارة إلى رواية "أولاد الغيتو" لإلياس خوري عن "دار الآداب"، والتي تستعيد أحداث مجزرة اللد عام 1948. أما على صعيد الدراسات فهناك كتاب المؤرخ فواز طرابلسي "الطبقات الاجتماعية والسلطة السياسية في لبنان" عن "دار الساقي".
وفي سياق آخر، فقد شكّل فوز المخرج اللبناني إيلي داغر بالسعفة الذهبية في خانة الفيلم القصير في "مهرجان كان السينمائي" حدثاً أساسياً، وعرض الفيلم الفائز "موج 98" في مهرجانات السينما المختلفة في لبنان.
بالمقابل منعت السلطات اللبنانية عرض الفيلم الوثائقي "لي قبور في هذه الأرض" للمخرجة اللبنانية رين متري، الفيلم الذي يقدّم شهادات تروى لأول مرة عن مجازر لم تطرق من قبل حدثت في الحرب الأهلية اللبنانية، ويقدّم شهادات لضحايا من كل الطوائف والانتماءات.
من جهة أخرى، شهدت مدينة صور انتعاشاً ثقافياً من خلال انطلاق الدورة الأولى من "مهرجان صور السينمائي الدولي" وكذلك "مهرجان صور المسرحي الدولي" وهي المهرجانات الأولى من نوعها في الجنوب اللبناني.
من الأحداث المهمة أيضاً افتتاح "متحف سرسق" من جديد وعودته لمزاولة نشاطه الثقافي المفترض، وتقديمه لبرنامج منتظم متورط أكثر في المدينة وفنانيها وليس نخبوي الطابع.
لا ندري إن كان ظلماً أن نعتبر الثقافة أخت السياسة في بيروت، من حيث أنها دائماً على صفيح ساخن، وعلى حافة الفعل وعلى وشك التحقق. هذه هي الحال منذ سنوات.. بيروت الثقافية ما زالت تحاول أن تستعيد نفسها.. على مهل.