ومينمي هي واحدة من الملهمات التسع في الأساطير الإغريقية، وهي ملهمة الذاكرة؛ حيث أن أعمال المعرض كلها تتمحور حول فكرة الحراسة والرعاية؛ لن يكون مستغرباً تمثال هنيبعل الذي يقابل المتلقي قبل أن يدخل إلى المعرض.
ورغم ما تبدو عليه الشخصيات في الأعمال من راحة، إلا أن شعوراً بأن هناك انفجاراً سيحدث أو أن صداماً كبيراً سيقع لا يفارقها، ثمة قلب على شكل قنبلة يدوية، وهناك أيضاً طائر قد يحوّل الأحلام إلى كوابيس.
مع هذا المعرض، يؤكّد الفنان على الانطباع الذي يتركه عند المتلقي، أي ولعه بالسلاسل البصرية التي تجمعها ثيمة واحدة، كأن مقولته التشكيلية عن شيء ما لا تكفيها لوحة واحدة. ورغم أن سنوات قليلة مرت على بدء مشاركاته بمعارض فردية وجماعية، إلى أن تفسيراته التشكيلية للواقع تحمل طابعاً خاصاً ولا تقلّد تجارب أو أساليب معاصرة بعينها.
كان شامخ قد عُرف بسلسلته المعنونة "بماذا يحلم الشهداء"، بعد أن رسمها عام 2011 مع اشتعال الأحداث في تونس، وضمّت 12 عملاً وتنقلت بين تظاهرات أساسية من بينها بينالي البندقية عام 2012. تلك كانت مجموعته الأولى، وفيها استخدم تقنية الغرافيك والرسم، وجمع عدّة مكونات من الشبكات الاجتماعية الافتراضية ومن الصحف وكذلك من الأرشيف لعمل هذه السلسلة عن الشهور الأولى من الثورة التونسية.
كذلك فعل في سلسلة "ضدّ الساعة" التي بناها كاملة على حدث الخسائر المعمارية الجمالية التي تعرض لها قلب تونس العاصمة إبان الثورة، حيث أزيلت معالم أو منحوتات أو تماثيل وحل محلّها شيء آخر.
وربما لا يبتعد شامخ في معرضه الحالي عمّا يحدث في تونس، حيث تبدو أعماله الجديدة في "أحلام التاريخ" وكأنها مقطع من الحالة التي تعيشها البلاد، حيث أن صاحب "بين الأشياء" و"الذاكرة الموعودة" (سلسلتان من اللوحات)، يلعب في تلك المساحة التي تتوسط العنف الصامت والصدمة الجمعية والفردية على السواء.
يعلّق القيّم والباحث في الفنون التشكيلية عمر برادة على معرض شامخ الحالي، وأسلوبه بشكل عام: "بطريقة ما، فإن رسومات شامخ هي مجازات تستكشف اللاوعي البصري للحداثة التونسية، أحلامها الثورية، وأشباحها المقموعة. هناك نفس مسرحي في لوحاته وتمثّلاته للواقع. حيث الكانفاس هو الخشبة التي بلا ديكور وحيث يتم لعب مشهد الحلم. مسرح اللاوعي الجمعي".
يمكن القول إن شامخ بخيل في الألوان، كما لو أنه يرى العالم معظم الوقت بالأسود والأبيض على خلفيات ضبابية، وقلّما يلفت نظره اللون الأكثر وضوحاً، كأنما يجسد من خلاله قدم الحالة الفوضوية والعجز عن فهمها أو إعطائها معنى آخر، سوى أنها لا تقبل التجاذب أو السجال أو الاختلاف.