يمكن القول، من قبيل المبالغة، وللمفارقة من دون أن نكون بعيدين عن الواقع، أن ثمّة خبر سيئ لافت تصدّره مصر يومياً في ما يخصّ الثقافة، حتى لتبدو هذه كأنها كبش الفداء الذي يسهل التّضحية به. فقد صرّحت المخرجة عزّة الحسيني مديرة "مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية"، اليوم، عن تخفيض قيمة جوائز المهرجان، المتواضعة في الأساس، إلى النصف، نتيجةَ قرار وزارة السياحة بتخفيض دعمها المادي للمهرجان بنسبة كبيرة تصل إلى 40%، وهو ما يفسّره البعض بارتفاع سعر الدولار.
أما وزارة الثقافة، فلم تبادر إلى التدخّل العملي وحل أزمة تمويل المهرجان، بل قدّمت وعوداً بمحاولة حلّ الأزمة، اصطدمت أو تذرّعت بالبيروقراطية التي تُعرَف بها الدوائر الحكومية المصرية، وعطّلت اتخاذ قرار سريع لصالح المهرجان الذي ينطلق في 17 من الشهر الجاري ويتواصل حتى 23 منه.
هكذا، تتقاذف كرة المهرجان وزارتا السياحة والثقافة، بين من يسحب الدعم عنه ومن يعد به، فالسينما الأفريقية لا يمكنها أن تنافس الأفلام التجارية ولا الدولية التي تحضر في مهرجانات أخرى مثل "القاهرة"، وكأننا أمام ثقافة رسمية تميّز ضد نفسها، غير واعية بأهمية أن يكون لها دور أساسي في تقديم السينما الأفريقية الجديدة، إضافة إلى الدور السياحي للمهرجان الذي يُقام في مكان تاريخي هو معابد الأقصر.
وصل الأمر بالمهرجان أن أصبح عاجزاً عن دفع تذاكر الطائرة وتكاليف إقامة المشاركين، ما قاد بعض المثقّفين، مثل يوسف القعيد والمخرج خالد يوسف، إلى القيام بزيارة لوزير السياحة المصري لينتهي اللقاء بتغطية 20% من تكاليف التذاكر والإقامة، وبدورها تبرّعت وزارتا الشباب والخارجية ونقابة المهن السينمائية بـ 30% منها.
من جهته، يحاول المهرجان في دورته الخامسة النجاة، والإبقاء على رأسه فوق الماء، بأن يتعاون، لأول مرة، مع عروض من مهرجانات أخرى غير أفريقية، مثل مهرجان "كان" السينمائي والمهرجان الياباني "شورت شورت" للأفلام القصيرة.
المهرجان، الذي ينطلق بعد عشرة أيام تقريباً، لم يحجز تذاكر المشاركين ولا أماكن إقاماتهم بعد، رغم أنه أعلن عن برنامجه، ومنظّموه يؤكّدون أنه سينعقد في موعده، وأن تخفيض قيمة الجوائز إلى نصفها قد يساعد في الحفاظ على مستوى جيد فيما يخص الخدمات اللوجستية.
بعيداً عن ملف الحريات المتردي يوماً بعد يوم، أليس معيباً أن تواصل المؤسّسة الرسمية المصرية التصرّف وكأن الثقافة مجرّد ديكور يمكن الاستعانة به أو الاستغناء عنه بحسب الظروف والأمزجة؟
اقرأ أيضاً: عبث السلطة بالكاتب: كلّنا رهائن