لا يزال الفنان السوري منير الشعراني (1952)، يتلمّس في أعماله الحروفية آفاقاً جديدةً يمكنها ابتكار مساحات أوسع للحرف العربي، من خلال الارتكاز على الأساسيات الكلاسيكية، لكن من دون اعتمادٍ كلّي عليها.
قبل أيام، اختُتم معرض له في أستراليا، لم يتسنّ له حضوره لرفض الجهات المعنية طلب التأشيرة الذي تقدّمت به الصالة التي عرضت أعماله، في حين يتواصل، حتى الرابع من الشهر المقبل، معرضه في غاليري "دار الأندى" في عمّان، الذي يضمّ قرابة 20 عملاً أنجزها بواسطة الطباعة الحريرية.
لم يحضر الشعراني هذا المعرض أيضاً، كونه يشارك في هذه الفترة كعضو لجنة تحكيم في "ملتقى الشارقة للخط العربي". تُقرأ أعمال الفنان السوري ضمن منحيين؛ الأوّل يتعلّق بالعبارات التي يختارها، والثاني بطريقة إنتاج هذه العبارات فنيّاً.
يجترح ابن مدينة السلَميّة أساليب جديدة لرسم الحرف العربي. ففي اشتغاله على الخط الديواني مثلاً، كما في عمله "ألا أيّها الليل الطويل ألا انجلِ"، وهو شطر شهير لامرئ القيس، استثمر انحناءات الخط وليونته، وحوّرها من جديدٍ ليبثّ روحاً، أو شخصيّةً مبتكرة لهذا النوع.
كما يعود الشعراني إلى خطوط لم تعد مُستخدمة كثيراً في هذا الفن، مثل المغربي، ويضفي لمسته الخاصّة عليه، مُشتغلاً على الانحناءات التي تميّزه، فيبدو وكأنّ العبارة توشك على الاختفاء، أو الطيران.
لا تنشغل أعمال الفنان كثيراً بالغموض أو التداخل الحادّ جدّاً بين المفردات بما يجعل الحرف عنصراً تجريدياً بحتاً، بل يسعى إلى رسم العبارات التي يختارها وفق رؤيته للخط نفسه، والعبارة التي تمثّل هذه الرؤية.
هنا، نفهم أكثر اختيارات الشعراني، فنقرأ بعضاً من العبارات التي يستعيدها من الإرث الصوفي، وتمثّل بالنسبة إليه خلاصات وحكماً ترتبط بالإنسان وموقفه من الوجود، مثل "العارف صاحب تجريد"، أو "لا دين لمن لا عقل له"، أو "من فضلة القلب يتكلّم اللسان".
من جهةٍ أخرى، نقرأ أيضاً ما هو مرتبطٌ بما تعيشه سورية، فالفنان الذي لم يغادر دمشق، كرّس الحرف في سبيل التعبير عمّا يحصل في بلده؛ إذ يخطّط عبارة محمود درويش "في الشام مرآة روحي"، بلوحاتٍ ثلاث منح من خلالها العبارة نفسها عدّة احتمالات بصريّة.
هكذا، يمزج الشعراني، وهو تلميذ الخطاط السوري بدوي الديراني، بين محاولات تجديده لرسم الحرف العربي، وانتقاء عباراتٍ تناسب هذا التجديد، حتى وإن كانت من التراث، فهي تظلّ تعبّر عن طبيعة الإنسان وعلاقته بمحيطه وظروفه، خصوصاً بما يعيشه الفرد العربي اليوم، ومن هنا ننظر إلى عمله الذي يتكوّن من كلمتين فقط: "الإنسان الجواب".