في 2001، ظهر على شاشات السينما العربية فيلم "أيام السادات" للمخرج الراحل، أمس، محمد خان (1942 – 2016)، عملٌ من الأعمال السينمائية العربية القليلة التي تصنّف كفيلم تاريخ سياسي، غير أن تسمية "أيام السادات" يمكن أن تنطبق ليس فقط على هذا الفيلم الذي يتناول كواليس السلطة، بل على العديد من أفلام خان، خصوصاً في فترة دخوله المشهد السينمائي في ثمانينيات القرن الماضي.
إن أعمالاً مثل "طائر على الطريق" أو "عودة مواطن" أو "نص أرنب" أو زوجة رجل مهم" هي كلها أعمال تتحدّث عن "أيام السادات" لكن من زاوية مختلفة، إذ تتناولها كمناخ عام من موقع الشارع والمواطن المصري الذي أصبح يعيش كذرّة في مركبة تتقلب في الهواء بعد انتفاء قوانين الجاذبية مع دخول مرحلة "الانفتاح" الاقتصادي.
ثمة روابط عدة بين زمننا هذا وبين أيام السادات، بداية من كون هذه الأيام امتداداً لتلك، وصولاً لكون معارك عدة تتكرّر وإن اختلف اللاعبون فيها، معارك مثل تعرية الفساد أو مقاومة تردّي الأخلاق والذوق العام وتفشي أحلام الإثراء السريع وغيرها.
كانت السينما التي اقترحها الجيل الذي دخل الساحة مع محمد خان مرآة صافية عن ذلك الزمن، كانت صدامية وحالمة في آن. لعلنا لا نملك اليوم إلا أن ننظر بحسرة وحنين إلى ذلك الزمن، وقد لا نملك تفسيراً محدّداً لسرّ ارتفاع أصوات تلك الأعمال وهي تدين الجو السائد، وتتتبّع في حكايات صغيرة تفاصيل الحياة اليومية والعقليات التي تحكمها.
بعد أكثر من ثلاثة عقود، تطوّرت أدوات السينما وتقنياتها في البلاد العربية، وتشعّبت مواضيعها وأنماطها. ظهرت أجيال من السينمائيين احتكّوا بكواليس الفن السابع في العالم وبعضهم تخرّج من أبرز معاهده، وأنتجوا أفلاماً كثيرة، لكن لا يزال الجمهور العربي متعلقاً بأفلام الثمانينيات بلغتها البسيطة وشفافيتها العالية واندماج جمالياتها في المضامين.
من المفارقات العربية أن ذلك الزمن الذي برع فيه المخرجون والكتّاب في مقاومة التردّي العام، كان فيه الجمهور غير قادر على الاحتجاج حيث كان الفضاء العام مغلقاً أو يكاد.
أما اليوم، فتبدو الآية وقد قلبت، إذ تتحرّك الحشود على الأرض أو في الفضاءات الافتراضية بعد أن جرى تعميم أدوات الضغط وجعلها شعبية، لكنها قلما تجد تعبيرات فنية راهنة متبلورة ومندمجة في خطابها أو مستبقة للتعبير عنه كما حدث في سينما جيل الثمانينيات، وحتى إن وُجدت بعض الأعمال التي تتبنّى مقولات فإنها لا تحقق شعبية كاسحة.
محمد خان، وإن حافظ على توجّهاته العامة، فقد غابت في أعماله التي أخرجها في الألفية الجديدة تلك النبرة الجماعية المتفاعلة مع كامل المشهد السوسيوثقافي والسياسي التي كانت تلف أعمال الثمانينيات، وانتقل إلى نزعة ميكرواجتماعية منكمشة على الشخصيات التي تسرد حكاياتها.
إنه نموذج من مشهد عام، ولعلها حالة من التشظي أصابت مجمل السينما العربية. سينما قد لا تكون سوى مرآة انكسرت حين انكسر كل المشهد العربي بفعل الهزّات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.