قبل شهر واحد على بدء الدورة الثالثة والسبعين من "مهرجان البندقية السينمائي الدولي" (لا موسترا)"، التي تنطلق في 31 آب/ أغسطس الجاري وتستمر حتى العاشر من أيلول/ سبتمبر المقبل، جرى الإعلان عن برنامج المسابقة الرسمية، التي يترّأس لجنة تحكيمها البريطاني سام ماندس (1965)، والتي تضمّ عشرين فيلماً جديداً، تتنافس على الجائزة الأولى، "الأسد الذهبي"، وعلى جوائز أخرى متفرّقة.
الاطّلاع على لائحة الأفلام المختارة للمسابقة الرسمية، يكشف حضور سينمائيين بارزين، يمتلكون مسارات مهنية فاعلة ومؤثّرة في المشهد السينمائي الدولي، ويُقدّمون، في معظم أفلامهم، نصوصاً سينمائية تثير متعة المشاهدة، وتحرّض على سجالات فنية وتقنية ودرامية وثقافية وجمالية مختلفة. وذلك إلى جانب سينمائيين شباب، يطرحون، هم أيضاً، بأفلامهم المختلفة، سجالات سينمائية مختلفة.
وإذ جرى اختيار "لا لا لاند"، للأميركي داميان شازيل (1985)، لافتتاح الدورة الجديدة، فإن عناوين أخرى أنجزها سينمائيون ينتمون إلى أجيال عديدة، كالأميركي تيرينس ماليك (1943)، والألماني فيم فاندرز (1945)، الذي يأتي إلى البندقية حاملاً معه تجربة سينمائية جديدة، بعنوان "الأيام الجميلة لآرانجويز"، ناطقة باللغة الفرنسية، ومقتبسة عن رواية نمساوية، علماً أن المغنّي والمؤلّف الأسترالي نك كيف، يُقدِّم دوراً تمثيلياً صغيراً فيها.
و"لا لا لاند"، المُصنَّف في فئة الكوميديا الرومانسية الموسيقية، يتابع وقائع لقاء بين ممثّلة مبتدئة (إيما ستون) وعازف بيانو جاز (راين غوزلينغ)، يلتقيان صدفة، ويُغرمان أحدهما بالآخر، في شوارع لوس أنجلوس.
أما تجربة فاندرز، فتتمثّل في اختبارٍ فني ـ جمالي لتقنية الأبعاد الثلاثية، وترتكز على تداخل بصري ـ تأمّلي بين واقعين، يُمكن أن يكون أحدهما مجرّد تخيّل أدبي لكاتب، يتابع وقائع حوار بين رجل وامرأة، جالسين تحت شجرة، في سهلٍ منبسط يكشف، في نهايته، ملامح باريس. حوار يتضمّن تساؤلات وأسئلة بينهما، حول تجارب ذاتية: الطفولة، والذكريات، ومعنى الصيف، والمسائل التي تفرِّق الرجال عن النساء، والمنظور النسائي والإدراك الحسي الرجالي للأمور والحالات والمشاعر.
والكاتب، إذ يجلس في غرفته متابعاً وقائع الحوار الثنائي، يُحاول تخيّله أو ربما ابتكاره، أو الاكتفاء بمتابعته، وتسجيله على آلته الكاتبة. فهل المسألة برمّتها نتاج المتخيّل الأدبي للكاتب، أو معاينة لحوار حقيقي؟
للأميركي ماليك جديدٌ أيضاً، بعنوان "رحلة الزمن"، وهو وثائقي بتقنية "إيماكس"، يستكشف الكون وأحواله، بين ولادته وموته، وذلك عبر صوتَي براد بيت وكايت بلانشيت. في حين أن مواطنه توم فورد (1961)، المنتقل إلى الإخراج السينمائي من عالم الأزياء وتصاميمها، يقتبس رواية بعنوان "توني وسوزان" للأميركي أوستن رايت (1922 ـ 2003)، لتحقيق فيلمه الأخير "حيوانات ليلية" (تمثيل: جايك غيلنهايل وآيمي آدمز).
يتابع الفيلم مسارَي حكايتين منفصلتين: سوزان، التي تنقلب حياتها رأساً على عقب، إثر قراءتها مخطوطة "ثريلر"، يُرسلها إليها زوجها السابق، وتوني، الذي ترتبك عطلته الصيفية مع عائلته، بشكل مفاجئ.
من جهته، يروي الفرنسي فرانسوا أوزون (1967)، في "فرانتز"، حكاية آنا، التي تزور يومياً قبر خطيبها فرانتز، في مدينة ألمانية، بعد أشهر قليلة على انتهاء الحرب العالمية الأولى، والتي تلتقي، هناك، شاباً غامضاً. بينما يذهب الصربيّ أمير كوستوريتزا (1954)، في "على درب التبانة" (يمثّل فيه أيضاً، إلى جانب الإيطالية مونيكا بيلّوتشي)، إلى عالم مرتبك وملتبس الملامح، من خلال حكاية امرأة تموت فجأة، قبل وقت قليل على زواجها من جندي، أثناء اندلاع الحرب.
هناك أيضاً فيلم "الوصول" للكندي دوني فيلنوف (1967)، المنتمي إلى أفلام الخيال العلمي، إذ يروي حكاية مألوفة، تتمثّل بغزو كائنات فضائية للأرض، ما يدفع الحكومة الأميركية إلى التعاون مع باحث ألسنيّ، للتواصل معهم، وفكّ رموز لغتهم، وفهم نواياهم. أما "جاكي"، للتشيليّ بابلو لارّان (1976)، فيستعيد سيرة السيدة الأميركية الأولى جاكي كينيدي (ناتالي بورتمان)، في مرحلة ما بعد اغتيال زوجها الرئيس جون ف. كينيدي.
"الضوء بين المحيطات" للأميركي ديريك سيافرانس (1974)، يذهب إلى أستراليا، ويروي حكاية حارس منارة وزوجته، "يتبنّيان" طفلاً رضيعاً، يعثران عليه مرمياً على شاطئ البحر. وهذا، في مقابل الفيلم الروسي "جنة" لأندريه كونتشالوفسكي (1937)، الذي يتابع مسارات 3 أشخاص، هم أولغا، (مهاجرة روسية، منتمية إلى المقاومة)، وجول (متعاون فرنسي)، وهلموت (ضابط مخابرات نازي)، الذين تلتقي مصائرهم، خلال الحرب العالمية الثانية.
هذا جزءٌ متنوّع من المضمون العام للمسابقة الرسمية في "مهرجان البندقية السينمائي"، الذي يحتفي، في دورته الجديدة، بالممثّل الفرنسي جان ـ بول بلموندو (1933)، والمخرج البولندي جيرزي سكوليموفسكي (1938)، ويُقدم لهما جائزتين تكريميتين عن مجمل أعمالهما.
ويتذكّر المهرجان الدولي، أيضاً، المخرجَين الراحلين، الأميركي مايكل تشيمينو (1939)، والإيراني عباس كيارستمي (1940)، اللذين رحلا في تمّوز/ الماضي، وذلك بتنظيم عروض خاصّة لمختارات من أفلامهما.