الفلسفة، الأدب الحديث، سواء الشعبي منه أو النخبوي، علم النفس، المناظر الطبيعية، الرموز القديمة وغيرها.. عناصر يصعب جمعها في إطار واحد، غير أن منجز الفنان التشكيلي الأوكراني إيفان مارتشوك (1938) كان محاولة لصهرها جميعاً.
في "غاليري سوفونيسب" في قرطاج بالقرب من تونس العاصمة، اختتم اليوم معرض لـ مارتشوك بعنوان "النوع الجيني لحرية". ورغم ان المعرض يأتي ضمن فعاليات رسمية تتمثل في إحياء الذكرى 25 لبداية العلاقات الدبلوماسية الأوكرانية التونسية، فإن مواضيع لوحات مارتشوك أبعد ما تكون عن هكذا رسميات، فهو أحد أسماء الحركة الطليعية في المشهد التشكيلي لشرق أوروبا، وقد بدأ اسمه يلمع مع التيار الذي ينتمي إليه في سبعينيات القرن الماضي، حين كانت أوكرانيا ضمن الاتحاد السوفييتي، وكانت عاصمتها متنفساً فنياً بعيداً عن المركز، موسكو، الذي يهيمن عليه فن محكوم بمقتضيات البروباغندا الرسمية وتحت عين رقابتها.
لكن كييف، لم تكن هي الأخرى واحة سلام فني، فقد كان الطلائعيون يعانون من ضيق المجال، وكانت معارض مارتشوك نادرة مقارنة بنسق إنتاجه، وهو ما دعاه إلى إدماج ثيمات كلاسيكية ضمن الطرح الطلائعي، خصوصاً رسم الأزهار والوجوه. كما أنه أعاد المنظر الطبيعي كمجال أساسي في الفن التشكيلي تماماً كما كان هو الحال قبل القرن العشرين، وإن تمّ ذلك بمفردات مختلفة عن تلك التي طوّرها الرومانسيون.
المفارقة أن مارتشوك الذي فتح لنفسه هامشاً في سنوات "الاختناق" السوفييتي، اضطر إلى مغادرة كييف حين استقلت بلاده حيث هاجر إلى أستراليا ثم أميركا، فقد كانت النزعة الوطنية المبالغ فيها خانقة للفن أكثر من الرقابة.
وفي الحقيقة، فإن فكرة الهروب من التضييقات أساسية في مشوار مارتشوك، وهو الذي طالما صرّح بأنه يهدف إلى "إنتاج صورة متعددة الأبعاد عن العالم" ومن أجلها ابتكر طريقة خاصة في الرسم تسمّى "بلونتانيزم" pleuntanizm وهي منحوتة من كلمة أوكرانية تعني الجمع.
مع الألفية الجديدة، وبعد نجاحات عالمية، عاد مارتشوك إلى بلاده واستقر ثانية في كييف. بات يسمى "المعلم مارتشوك"، وقد أصبح "علامة أوكرانية" بارزة، وهو ما يفسّر ربما اختياره للمعرض التونسي، خصوصاً بالسياقات المعروفة عن "الثورة" في كل من تونس وأوكرانيا في السنوات الأخيرة.