تحتضن مدينة ماغديبورغ (150 كلم غرب برلين) في "متحف التاريخ الثقافي" معرضاً افتتح في الأول من أيلول/ سبتمبر الماضي بعنوان "ضد الإمبراطور والبابا"، ويتواصل حتى الثامن والعشرين من كانون الثاني/ يناير المقبل. يوثّق المعرض لتحوّل كامل أبناء المدينة إلى البروتستانية لتبدأ مجريات الأحداث تصبّ لصالح لوثر.
هذا المعرض - مثل معارض أخرى - يصوّر كيف استطاعت اللوثرية إضعاف القوّتين المتحالفتين في حكم المجتمعات الأوروبية؛ الدولة والكنيسة، اللتين تشكّلان أساس النظام القائم، رغم إشارة العديد من الباحثين إلى معارضة المصلح الألماني لفكرة الخروج على الحاكم في سياق تحالفه مع أمراء أيّدوه.
رغم اختلاف منبع الأفكار والغايات، إلا أن دعوات الإصلاح الكنسي أمدّت تيارات سياسية وثقافية واجتماعية بقوة معنوية وحتى مادية في سياق تبادل المقولات التي تفكّك هيمنة الدين على الحياة العامة، وخلال تلك الحقبة استفاد مؤيدو الجمهوريات، ودعاة العلمانية، والكتّاب والفنانون التواقون للتحرّر من انغلاق المؤسسة الدينية.
من جهته، يقارب معرض "باخ ولوثر" الذي اختتم مؤخراً في مدينة إيسناخ (350 كلم جنوب العاصمة برلين)، علاقة الموسيقار الألماني (1685 - 1750) بمعتقداته كمؤمن بالمذهب البروتستاني حيث ابتدأ بتأليف عشرات القطع من المغناة الدينية، وظلّ إيمانه حاضراً في جميع أعماله اللاحقة، وهو نموذج لتغيير بارز نجم عن ترجمة التراتيل من اللغة اللاتينية وغنائها بالألمانية، بعد ترجمة العهدين القديم والجديد، والتي كسرت احتكار المؤسسة الدينية للغة.
ربما كان التحوّل في الفن التشكيلي أوضح عبر الرفض المطلق لمفهوم الأيقونة، وتوجيه الفنانين لرسم الطبيعة الصامتة والبورتريهات والرسومات التاريخية والمناظر الطبيعية، لكن ضغوط الكثير من أتباع الزعيم الإصلاحي، وفق المؤرخين، أدّى إلى ظهور بعض اللوحات التي تجسّد العشاء الأخير تحديداً، لكن النظرة العامة للرسم قادت إلى ظهور تيارات حداثوية في ما بعد.
"الأثر الثقافي للإصلاح الديني" عنوان المؤتمر الذي نظّمته "جامعة ليوكوريا" في مدينة فيتنبرغ (110 كلم جنوب برلين) في آب/ أغسطس الماضي، وناقشت محاوره حركة الإصلاح الديني في سياقها الثقافي، والسياقات الثقافية الجديدة التي فرضها انتشار البروتستانية حول العالم، والأثر غير المباشر لها في مجالات الفنون والإعلام والسياسة والقانون وفي شكل المعرفة الحديثة.
من المحاور التي تناولها المشاركون، التأييد الذي حصل عليه مارتن لوثر من الأمراء وكبار المالكين، ما حوّل دعوة نخبوية يقودها أستاذ لاهوت إلى حركة جماهيرية تحمل أبعاداً سياسية وطموحات بإنهاء التراتبية الاجتماعية القائمة والتي تركت بصمتها في الثقافة والفن.