سرعان ما ينتبه متابع ما تقدّمه المعارض والمتاحف الباريسية في الفترة الأخيرة إلى تواتر حضور الفن الأفريقي، وذلك منذ بداية السنة الجارية؛ فقد خُصّص معرض "آراب باريس أرت فير" هذا العام للاحتفاء بالفن الأفريقي، وفي "معهد العالم العربي" يقام منذ 14 نيسان/ أبريل الجاري معرض "كنوز الإسلام في أفريقيا.. من تومبكتو إلى زنجبار" الذي يتواصل حتى 30 تموز/ يوليو المقبل، فيما تنطلق تظاهرة "فن/أفريقيا" التي تنظمها مؤسسة "لوي-فويتون" في 26 من الشهر الجاري، وغيرها كثير.
رغم هذا التواتر، من الصعب أن نعثر على مناسبة جامعة لكل هذه التظاهرات التي تهتم بالفن الأفريقي، فما السر وراء هذا الاهتمام في الساحة الفرنسية؟
يربط البعض ذلك بحادثة حصلت في صيف 2016، حيث طالبت حكومة البينين بشكل رسمي فرنسا (المستعمر السابق) "بإعادة التحف الفنية وجميع ما يتعلّق بالهوية الوطنية البينينية المحتفظ بها في فرنسا".
مع فتور التفاعل الفرنسي، أعاد المسؤولون البينينيون الطلب الرسمي في كانون الأول/ ديسمبر 2016. ولمزيد من الضغط، جرى تمرير الطلب الأخير (في 8 آذار/ مارس) إلى وسائل الإعلام وهو ما أغضب وزارة الخارجية الفرنسية.
في تقرير من مجلة "جون أفريك"، يشير أحد المسؤولين البينينيين إلى أن مؤرّخين وآثاريين وخبراء جُنّدوا من أجل وضع قائمة واضحة بالآثار والتحف المنهوبة من البلاد منذ 1892، وعدد كبير منها معروض في أشهر المتاحف الفرنسية.
نفس التقرير، أشار إلى الإحراج الفرنسي أمام هذا التشبّث البينيني، وكانت وزارة الخارجية الفرنسية قد ردّت "بلطف" عن طلب الحكومة البينينية متذرّعة بأن معظم القطع التي يجري المطالبة بها لا تعود ملكيّتها إلى الدولة الفرنسية، وأن جزءاً كبيراً منها دخل إلى الملكية العمومية.
يبدو أن هذه الأجوبة لن تمثّل نقطة نهاية المطالبات البينينية، والتي يجد المسؤولون عنها أنها ذرائع غير جدّية لإغلاق ملف قد يفتح ملفات أخرى أكبر منه، فالتراث البينيني في فرنسا لا يمكن مقارنته بما جرى نقله من بلدان أخرى، ليس أقلها ما نقل من البلدان العربية؛ من المغرب إلى مصر وسورية ولبنان، مروراً بالجزائر وتونس.
السياسات البينينية المتّبعة في محاولة استرداد الآثار، والتي تعتمد على الضغط الرسمي وطول النفس، تلفتنا إلى سياسات عربية ضمن نفس القضية. فمنذ أيام دفعت الدولة الجزائرية من أموالها لاسترجاع جزء من أرشيفها جرى عرضه في مزاد علني في مدينة تولوز، كما لا تزال البعثات الفرنسية إحدى أنشط البعثات العاملة على الآثار المصرية دون التفات إلى حصيلة قرنين على الأقل من مرور الآثار المصرية إلى فرنسا.
هكذا نفهم أن المبادرة البينينية قد لا تكون اليوم إلا كطائر خارج السرب، غير أن ما تسبّبه من إحراج للدولة الفرنسية قد يدعو آخرين للالتحاق بصفوف المطالبين بإعادة كل تراث إلى فضائه الطبيعي. لو تخيّلنا ذلك، ما الذي سيبقى في واجهات المعارض والمتاحف الباريسية التي يصطفّ لزيارتها السيّاح من كل بلاد العالم؟