لا يشذّ عن القاعدة تعيين وزير الثقافة فرياد راوندوزي، الذي يمثّل الأكراد في الحكومة الحالية، وهو المتخصّص في الكيمياء قبل أن ينال شهادة جامعية ثانية في الإعلام، ويتفرّغ منذ التسعينيات ليكون محاضراً وكاتباً حول تجربة كردستان، وتفسير الدستور الجديد وعلاقات العراق مع دول الجوار، وليس منها محاضرة أو مقالة واحدة عن شأن ثقافي.
مدخل ضروري لفهم المشهد الثقافي كأحد مخرجات الاحتلال، الذي قام على مفارقة أساسية تتضمّن إلغاء الذاكرة الجمعية للعراقيين وأية تعبيرات موحّدة لهم، وعليه أصبحت الثقافة تحاكي عملية التنمية الفاشلة في البلاد؛ توزيع المكاسب على زعماء الطوائف والمذاهب والأحزاب، لتذهب معظمها أعطيات لقواعدهم وتبقى مدنهم وقراهم على فقرها وتخلّفها.
ولتثبيت قواعد اللعبة، التزم المتقاسمون ببثّ خطاب يمجّد منجزات النظام في جميع المجالات، وكلما تكشّف مزيد من الفشل والفساد سارعت الدعاية الرسمية إلى بيع الوعود بالتغيير والتطوير، وهو أحد الأدوار التي أسندت إلى وزارة الثقافة بعد عام 2003، حيث تُختصر مهامها في عقد مهرجانات وملتقيات دعائية، خصّصت سابقاً لتقريظ "الديمقراطية" في العهد الجديد، واليوم للاحتفاء بـ"الانتصار" على الإرهاب.
في الموصل، أُعلن أمس عن بدء التحضيرات لإطلاق أوّل فعالية ثقافية بعد "تحرير" المدينة. "مهرجان القراءة" هو الاسم الذي اختاره المنظّمون للتظاهرة التي تحتضنها "جامعة الموصل" في أيلول/ سبتمبر المقبل، وتشتمل على حفلات موسيقية وغنائية، وتوزيع خمسة آلاف عنوان لكتب في جميع التخصّصات.
ماذا يُطبع اليوم في العراق؟ سؤال يسبق أي فعل ثقافي يحضّ على القراءة، فغالبية ما يصدر في العراق مؤلّفات دينية يغلب عليها التشدّد والانغلاق، والأخيران ليسا حكراً على دين أو مذهب دون آخر، إضافة إلى كرّاسات لا تهمّ أحداً سوى مراكز الدراسات التابعة للقوى السياسية التي تنشرها، وتتضمّن أوراق ندوات أو مسوحات عن الانتخابات واللامركزية والأحزاب وحقوق الإنسان.
يضاف إلى كومة الكتب تلك إصدارات من الدرجة العاشرة، لشعراء وروائيين وباحثين عن وزارة الثقافة ضمن سياسة إهدار المال العام، في بلد ينفق عشرات الملايين على القطاع الثقافي، لكنك لن تجد صالة سينما أو مسرح في الموصل وغيرها من المدن.
مهرجان للقراءة في الموصل! لكن لا أحد يريد إجراء مراجعة جذرية وقراءة الأخطاء التي قادت إلى احتلالها وتدمير ثلثي المدينة على يد داعش، والبحث عن عراق جديد يؤمن بالعدالة والمساواة ويعبّر مثقفوه عن ذواتهم وهويتهم الوطنية لا عن مصالح فصّلت على مقاس الساسة واختلافاتهم.