ضمن البرنامج الذي تقيمه "دار النمر للفن والثقافة" في بيروت، لعرض أعمال الفنانة الفلسطينية لاريسا صنصور وأفلامها القصيرة، يُعرض عند السابعة من مساء بعد غدٍ الثلاثاء، فيلمان قصيران من إخراجها في قاعة المسرح بالدار.
الفيلم الأول هو "ملوخية" أو كما تسميه بالإنكليزية "حساء فوق بيت لحم"، العمل أنتج سنة 2006، وفيه تصوّر الفنانة عائلة فلسطينة عادية، عائلتها هي، وهم يتحلقون حول مادئة الغداء على سطح منزلهم المطل على مدينة بيت لحم في الضفة الغربية.
الحديث الدائر فوق المائدة يتناول الطبق الفلسطيني "الملوخية" في البداية، وسرعان ما يتحول إلى حوار سياسي وهوياتي وثقافي بين أفراد العائلة، حيث تحاول الفنانة رصد علاقة الإنسان الفلسطيني شديدة الخصوصية بكل ما يعبّر عن تاريخه وهويته وثقافته الشعبية المرتبطة بالمكان وتقاليد المنطقة ككل، وعلى رأس هذه الأمور المطبخ التقليدي.
بالتدريج ومع تدفق الحوار تطرح أسئلة أكثر عمقاً ذات علاقة بالمكان والزمان الذي تعيش فيه هذه العائلة، حيث تترك صنصور الحوار من دون تحرير أو مونتاج بعفويته.
الفيلم ينتمي إلى الشريط الوثائقي ويلفت النظر إلى الطبيعة الوسيطة للعلاقة البصرية التي تمر كما لو كانت توثيقاً لا انحياز فيه للواقع الذي يحمل في طياته كل مبررات الانحياز وعدم الحياد.
أما الفيلم الثاني الذي يعرض خلال اليوم فهو "وليمة سكان المناطق" فيحمل الثيمة نفسها حول علاقة الطعام بالهوية، والمائدة الفلسطينية بوصفها مائدة مستديرة لنقاش القضية والمنفى واللجوء وظروف الاحتلال.
ومثلما يحدث في "ملوخية"، فإن الغداء يبدأ من مواضيع عادية حول الأطباق المقدّمة ولحم الضأن وأفضل موسم للرعي، ثم يتشعب بالتدريج وبلا أي تخطيط ليصبح حديثاً حول ممارسات قوّات الاحتلال الإسرائيلي، التي تستسهل وصف الفلسطينيين بـ"سكان المناطق" كي تحصرهم ضمن هوية مجهولة وغير واضحة قانونياً، بدلاً من وصفهم بمواطنين فلسطينيين.
"النمر" كانت قد عرضت خلال الأسبوع الماضي، ثلاثية الخيال العلمي التي أنجزتها صنصور تحت عنوان "هجرة إلى الفضاء" (2009)، و"مبنى الدولة" (2012)، و"في المستقبل أكلوا من أرقى أنواع الخزف" (2016).
الثلاثية تستكشف دور الأسطورة والتاريخ والحقيقة والهوية الوطنية في القضية الفلسطينية لاجئة إلى الخيال العلمي وعلم الآثار، مثلاً يقوم الجزء الأخير من الثلاثية على فكرة وجود "جماعة مقاومة سردية" تقترح الانتماء إلى حضارة خيالية، بهدف التأثير على التاريخ ودعم مطالبات الجماعة المستقبلية بأراضيهم المتلاشية، ومن خلال تحويل الأسطورة إلى حقيقة وتطبيقها بطريقة خاصة عبر استخدام علوم الآثار تخلق أمة من العدم، ويصبح عملها تدخلاً تاريخياً في الحقيقة، وصناعة حقيقة بديلة.
يذكر أن صنصور ولدت في القدس ودرست الفنون الجميلة في كوبنهاغن وتابعت دراستها في لندن ثم انتقلت إلى نيويورك، أعمالها مزيج بين الفيلم والصورة والتجهيز والنحت، أقامت معارض فردية في مدن مختلفة من العالم.