من المعروف أن العلاقة بين دانتي أليغييري (1265 - 1321) والثقافة العربية بدأت تلفت انتباه الكتّاب والنقّاد في الغرب والشرق منذ أكثر من قرن، خصوصاً بعد صدور دراسة المستشرق الإسباني ميغيل آسين بلاثيوس "الأخرويات الإسلامية في الكوميديا الإلهية" عام 1919؛ فاسم الشاعر الإيطالي المعظَّم يعود في الدراسات والمقالات الأكاديمية من حين إلى آخر، وخاصةً من خلال عمله الشهير "الكوميديا الإلهية" التي ترجمها إلى العربية حسن عثمان، وصدرت دراساتٌ عديدة حول إمكانية استلهام دانتي هذا العمل من "الإسراء والمعراج النبوي"، ومن أعمال أبي العلاء المعرّي وابن عربي.
بالتأكيد، فإن هناك اهتمامٌ كبير في العالم العربي بدانتي. ولكن الغريب في الأمر أنه في إيطاليا يصعب على الكثير قبول نظرية تأثير الثقافة العربية الإسلامية في كتابة "الكوميديا الإلهية"، مع أنه صار مؤكّداً أن دانتي قرأ قصّة "الإسراء والمعراج" التي ترجمها إبراهيم الفقيه الذي كان يعمل مترجِماً في بلاط الملك الإسباني ألفونسو العاشر، كما أنه من المؤكّد أن دانتي اطّلع على مصادر أخرى حول الثقافة العربية باللغة الإسبانية كانت متوفّرة في الأندلس عن طريق أصدقائه الذين كانوا يتنقّلون بين إسبانيا وإيطاليا في تلك الفترة.
وعلى كل حال، لا يزال دانتي صلةً بين الثقافتَين العربية والإيطالية ومصدر تأثيرٍ بالنسبة إلى شعراء عرب؛ فمثلاً نجد أن الكاتب العراقي أسعد الجبوري في "بريد السماء الافتراضي"، الذي أصدرَته مؤخّراً "دار ميم للنشر" في الجزائر، يبدأ كتابه بحوار مع الشاعر الإيطالي دانتي. وقد أثارني الفضول فطرحتُ عليه بعض الأسئلة حول العلاقات بين الثقافتين العربية والإيطالية عموماً، وعن سبب بدء كتابه بحوار عن دانتي خصوصاً.
وكان ردُّه كما يلي: "عندما افتتحتُ كتابي بالحوار مع دانتي، فذلك لأنني كنتُ أعرفه شاعراً أسطورياً حاول من خلال المجاز اختراق المجال الجوّي للأرض، والصعود إلى أعلى نقطة من الوجود السمواتي للبحث في الجحيم، المطهر، والجنة؛ العناصر الثلاثة التي أسّس عليها "الكوميديا الإلهية" التي اعتُبرت أهمّ الأعمال الشعرية بالنسبة إلى الآداب الأوروبية في العصور الوسطى. لقد عزّز دانتي قوّة المخيّلة في الفن الشعري، عندما تجاوز الواقع، وقام ببناء ما يشبه الوقائع الافتراضية في عالم آخر تسوده المحاكمات والعقاب والثواب والتيه في مجرى العدم".
وعن سؤالي حول ما يستطيع الشاعر العربي اليوم أن يأخذ من دانتي؟ أجاب الجبوري بأن الشاعر العربي يمكنه أن "يأخذ فكرة التفاعل بين الأدب الإيطالي أو الأوروبي بشكل عام، بالثقافة الإسلامية حاضنة قصّة المعراج وقصص أخرى لصوفيّين تحدّث عنهم ابن عربي في "الفتوحات المكية"، حيث يوجد التشابه أو التطابق والتأثُّر بين فكرة المعراج و"رسالة الغفران" للمعرّي، وكذلك بفعل ما نقله الفيلسوف الأندلسي ابن مسرّة إلى العالم الأوروبي من أدب وفلسفة ورؤى. كلُّ هذا يعني أن ثمّة من شقَّ أبواب السموات، ومدّ عنقه من ثقب ما، ليرى افتراضياً ما كان يجري هناك".
أمّا عمّا إذا كانت هناك ضرورة لتعزيز العلاقات الثقافية بين إيطاليا والعالم العربي، فيقول الجبوري: "بالطبع نعم. فإذا كانت إيطاليا من رموز الفن الأوّل في التاريخ، فهي تحمل في رحمها شعراء وأدباء كباراً يضيئون الذاكرة والطريق بأعمالهم المميّزة والمهمّة. لذا، على الإيطاليّين أن يُطلقوا مشاريعهم في كامل التراب الجغرافي العربي، ليُشعل ذلك التفاعلُ المصابيحَ في العقل وفي الشارع أيضاً".
* ناقدة ومستعربة إيطالية