يستعير معظم الباحثين في مجال الفنون الإسلامية مصطلحات ومفاهيم غربية من دون أن يوازيها تنظير معمّق ومتماسك حول تعريبها وممارستها ضمن الثقافة العربية وإيجاد صيغ تواكب تطوّرها في العصر الحديث، رغم وجود ما يقابلها في المعاجم القديمة.
وأهتمت أغلب الدراسات في هذا المجال بالجانب التاريخي الذي يشير إلى إشكالية في وصف نتاج ثقافي لمجموع القوميات التي تسكن من أقصى الشرق الآسيوي إلى أقصى الغرب الأفريقي عبر ألف وأربعمئة عام، واعتبار كل ما يندرج تحته "إسلامي"، أو اعتنت بتأثر هذه الفنون وتأثرها بحضارات أخرى، على حساب تقديم وجهات نظر معاصرة حولها.
"تحييناً للفكر الفني والجمالي العربي الإسلامي في زمن العولمة" عنوان المحاضرة التي يقدّمها الباحث والفنان التونسي الحبيب بيدة (1953) عند الرابعة من مساء بعد غدٍ الجمعة في "المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون" (بيت الحكمة) في تونس العاصمة.
يجمع المحاضر بين التدريس الأكاديمي والعمل البحثي من جهة، وممارسة الفن من جهة أخرى، وقد نال الدكتوراه عام 1980 عن أطروحة قريبة من موضوع المحاضرة، حيث حملت عنوان: "فن وخط وزخرفة المخطوط القرآني من القرن التاسع إلى القرن الثاني عشر"، كما أقام معرضه الأول في السنة نفسها، وله مؤلّفات وتنظيرات متعدّدة حول الفن العربي والإسلامي.
ركّز صاحب كتاب "صورة الإنسان الكامل في الخط العربي" في محاضرة سابقة له على على مقولات الصوفية التي تبين الجوهر الذي انبنى عليه الفن في الإسلام باعتباره معنى خفياً وليس شكلاً ظاهرياً، ففي مفاهيم الصوفية ومفكري الإسلام الفن صنعة تحاكي الخلق في حركته وانتظامه وانسجامه ولا تحاكي بالضرورة الطبيعة الظاهرية كما هو عند فلاسفة اليونان.
ويوضّح أن "الصناعة/ الفنّ المتمثّلة في الإنسان الصانع قد حاكت الطبيعة القوّة في فعلها في إعطاء المواد صوراً بحسب قبولها وعلى قدر استعدادها، وهذا هو المفهوم الذي احتضن مختلف الأشكال الفنية العربية الإسلامية، ومن بينها أشكال الخطّ والزخرفة والموسيقا وغيرها من الفنون".
يرى بيدة أن "تلك المحاكاة هي مفهوم الفعل مثل الفعل كما جاء في معجم لسان العرب لابن منظور، محاكاة الطبيعة من حيث هي فاعل لا مفعول به، وهذا النوع من المحاكاة يرتكز على قواعد تجريدية تتمثل في كيفيات الانتظام والتناسق والتناسب والحركة في ارتباطها بقابليّة الموادّ التي تحتوي بدورها على طاقات بنيوية تجعلها مستجيبة للصور التي ستعطى لها".