باسم بناء دولة الاستقلال، عمل نظام الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة (1903 - 2000) على تطويع كلّ القوى المؤسّساتية والاجتماعية، من النقابات إلى التجمّعات الطلّابية والشبابية، محوّلاً دورها من محاضن لقيم المواطنة والمشاركة في الشأن العام إلى مجرّد أدوات دعاية.
بدا كل شيء وقد استتبّ لبورقيبة في ستّينيات القرن الماضي، غير أن انتفاضة طلّابية حدثت في أوائل شباط/ فبراير 1972 أفزعت النظام واستفزّت نوازع العنف والقمع لديه؛ حيث ظهرت بشكل قاطع إرادة الطلّاب في ألا يكون الاتحاد الذي يمثّله خاضعاً للحزب الحاكم وأجهزة الدولة، وقد اكتشف النظام، وقتها، أن للحركات الاحتجاجية قاعدة جماهيرية يبدو أنه لم يكن مقدِّراً حجمها الحقيقي.
بمناسبة الذكرى السابعة والأربعين لما بات يُعرف بـ"حركة فيفري 72"، يقيم "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات - فرع تونس"، اليوم، ندوةً بعنوان "جيل الثمانينيات من الحركة الطلابية والانتقال الديمقراطي: سجالات، مناظرات وحوارات" بمشاركة كلٍّ من: سالم لبيض، ومحمد ضيف الله، وعادل الثابتي، والطاهر شقروش، والعجمي الوريمي، وسمير العبيدي، وعبد السلام بوعائشة، وعبد اللطيف المكّي، ولزهر العكرمي، وعصام الشابي، ومحسن مرزوق، وبرهان بسيّس.
الأسماء المشاركة لا تحيل فقط إلى الجانب التاريخي، بل أيضاً إلى الراهن التونسي؛ فهؤلاء الذين عاشوا كواليس الحركة الطلّابية بين سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي أصبحوا اليوم جزءاً من الطبقة السياسية، مرّةً في صفوف المعارضة ومرّات في مواقع الحكم، حيث إن أكثر من مشاركٍ في الندوة قد أمسك بحقائب وزارية، مثل سمير العبيدي، وزير الإعلام قبل 2011، وسالم الأبيض، وزير التربية في إحدى حكومات ما بعد 2011، إضافة إلى أسماء أخرى فاعلة في الأطر الحزبية مثل الوريمي ومرزوق وبسيّس.
هكذا، نرى أن الاستعادة التاريخية المقترحة يمكن أن تتحوّل إلى إضاءة للواقع من خلال توضيح العلاقات التي تربط بين أطراف متعدّدة لا ننسى أنها تتوزّع على كامل طيف الانتماءات السياسية في تونس، من أقصى اليسار إلى حركات الإسلام السياسي، مروراً بالقوميّين والوسطيّين والليبراليّين.
وتلك قراءة كثيراً ما أُثيرت خصوصاً في السنوات التي شهدت احتقاناً سياسياً كبيراً (2012 - 2014) ضمن صراع بناء الشرعيات الجديدة. وقتها، كثيراً ما جرت الإشارة إلى أن نفس القيادات التي تتصارع اليوم على مواقع السلطة كانت تتصارع ذات يوم في كلّيات تونس، مع النظام أو ضدّه، وفي مناسبات كثيرة ضدّ بعضها، حتى لو جمعتها معارضة النظام.