ارتبط اسم المسرحي المغربي يحيى بودلال، الذي رحل عن عالمنا، الخميس الماضي، في مسقط رأسه؛ وجدة، شرقَي المغرب، بالكاتب المسرحي محمد مسكين (1981 - 1951)، والاثنان ارتبط اسماهما بما يُعرف بـ"المسرح العُمّالي": الأوّلُ مُخرجاً لنصوص يكتبها الثاني، وتتناول في مجملها هموم الطبقة العمّالية.
وُلد بودلال سنة 1950، واشتغل معلّماً للغة الفرنسية، قبل أن يترك التعليم إلى الفنّ الرابع، في فترةٍ شهد فيها المسرح المغربي أزهى مراحله؛ مرحلةٌ بدأت منذ الاستقلال نهاية الخمسينيّات واستمرّت إلى الثمانينيّات. كان المسرح في تلك الفترة قريباً من أوساط اليسار، يتبنّى مطالب الحركات العمّالية، انطلاقاً من الإيمان بتوظيف الفنّ والثقافة لـ "خدمة المجتمع". هكذا، قدّم بودلال عدداً من الأعمال التي تندرج ضمن "المسرح الملتزم"، والتي انحازت إلى القضايا العادلة أينما وُجدت.
من تلك المسرحيات، نذكر: "تراجيديا السيف الخشبي"، و"اصبر يا أيوب"، و"امرأة، قميص وزغاريد"، وكلّها من كتابة مسكين، وتُترجم تنظيراته للفنّ المسرحي في إطار ما أسماه "مدرسة النقد والشهادة"، والتي يُقدّم فيها رؤيته حول المسرح، معتبراً أن عليه أن يكون مطابقاً لذاته كفعل جمالي منبثق من وعي تاريخي، ومرتبطاً بواقعه ومعبّراً عن تناقضاته في صيغٍ جمالية، ومن جهةٍ ثالثة متجاوزاً هذا الواقع إلى فضاء متخيَّل هو مستودع النقد والسخرية، مُفسحاً المجال لاستشراف واقع جديد.
التحق بودلال بـ"جمعية المسرح العمّالي" سنة 1977، وهي السنة ذاتها التي انضمّ فيها مسكين إلى الجمعية مع أسماء مسرحية أُخرى شكّلت فرقةً استمرّت حتّى الثمانينيّات، وقد مثّل الرجلُ أحد ركائز تلك التجربة. في إحدى أوراقه البحثية، يصف الناقد المسرحي مصطفى الرمضاني بودلال بأنه "رائد الإخراج النقدي الكاريكاتوري وصاحب الإبداع المرئي الذي يشغل الحواس"، مشيراً إلى "قدرته على تطويع النص ليصبح عالماً من العلامات المتحوّلة".
وفي حديثٍ إلى "العربي الجديد"، يعتبر الممثّل والمخرج المسرحي مصطفى مسرور أنَّ "أعمال بودلال حملت همّ المواطن العربي والتزمت بقضاياه العادلة؛ حيث كانت فلسطين وشعبها، وجورُ المحتلّ ومقاومته، موضوعاً مركزياً فيها".
نالت تجربة بودلال ثناء العديد من النقّاد ومتابعي الشأن المسرحي في البلاد العربية، عبر عروضه التي شارك عددٌ منها في مهرجانات مسرحية في المغرب والجزائر وتونس وليبيا وسورية وغيرها، ونالت عدّة جوائز منها: "جائزة العمل المتكامل" عن مسرحية "عاشور" في "المهرجان الوطني لمسرح الهواة" بمرّاكش سنة 1979، و"أحسن تشخيص" عن "نيرون السفير المتجوّل" في دورته التالية، ثمّ جائزة العمل المتكامل في دورته الثانية والعشرين سنة 1980 عن "اصبر يا أيوب".
رغم ذلك، ظلّ يحيى بودلال محشوراً، لأسباب بيروقراطية، في خانة "مسرح الهواة"... ذلك التقسيم الإداري الذي فرضته المؤسّسة الرسمية وأُريد له أن يكون مرادفاً لممارسة مسرحية "أقلّ قيمة".