تمثّل كلّ مرحلة في تجربة الفنان الإسباني بابلو بيكاسو (1881-1973) تأثيرات واضحة للوقائع التي كانت تدور من حوله، وهو الذي شهد تحوّلات كبرى في السياسة والفن في أوروبا، وكذلك للأمكنة التي عاشها، وللشخصيات التي كانت حاضرة في حياته.
من هؤلاء، كانت أولغا خوخولوفا التي سيلتقيها للمرة الأولى ربيع عام 1917 في روما، حين كان برفقه الكاتب والفنان الفرنسي جان كوكتو لتصميم ديكور لباليه "المركب" من إخراج سيرج دياجيليف حيث كان تشارك فيه، وبعد عام واحد من هذا اللقاء، أعلنا زواجهما.
ومنذ ولادة ابنهما بول وحتى ظهور ماري تيريز والتر في حياته، ستحضر زوجته الأولى في العديد من لوحات بيكاسو. يستدعي معرض "أولغا بيكاسو" هذه المرحلة من مسار الفنان، وقد افتتح في متحف "سايكسافورم" بمدريد في العاشر من الشهر الماضي، ويتواصل حتى الثاني والعشرين من أيلول/ سبتمبر المقبل.
يشتمل المعرض على مجموعة مختارة من اللوحات والرسومات وقطع الأثاث والوثائق المكتوبة والصور الفوتوغرافية التي توضح تطور علاقة الزوجين، إلى جانب الرسائل المتبادلة بينهما والصور العائلية وأحذية الرقص التي كانت تنتعلها أولغا على خشبة المسرح.
يسعى المنظموّن إلى إلقاء الضوء من جديد على شخصية أولغا التي وُلدت في مدينة نيغين الأوكرانية، قبل تدهور حياتهما الزوجية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن بيكاسو كان يرسم ما يراه أو انطباعاته في معظم الشخصيات التي تناولها.
في البداية، رسمها بخطوط رقيقة وأنيقة وكانت تظهر غالباً حزينة أو جالسة تكتب أو تقرأ، وهو ينقل هنا مشاهداته في فترة كان أحد أفراد عائلة أولغا يعيش لحظة مأساوية، ثم ستظهر بعد ذلك كأم ملهمة في عطفها وحنانها بيكاسو في العديد من الأعمال، وسيهتم كثيراً بتفاصيل الأسرة، ويخصّص بورتريهات لابنه بول، كلها توحي بالسعادة والسلام الذي عاشه حينها.
بعد حوالي عشر سنوات، ستظهر ماري في حياته ثم تنتقل إلى مركز اللوحة عقب عامين، كما في لوحة "العاري الكبير في المقعد الأحمر" (1929)، وستختفي من لوحاته حتى فراقهما عام 1935 بعد أن تركت أثرها في أكثر من مئتي عمل.
يوضّح المعرض التغيرات التي أصابت العلاقة التي لن تنتهي تماماً إلا عند انفصالهما الرسمي عام 1955، فهي المرأة الهادئة الرقيقة الرصينة، ثم الأم الحنونة العطوفة الرؤوم، وقدّم ذلك باهتمام كبير في تعابير وجهها وتفاصيل جسدها الذي نقله بدقة كبيرة وواقعية تقترب من الفوتوغراف في بعض أعماله.