في وقت متأخر من ليل 15 أيار/ مايو 2018، داهمت السلطات السعودية عدداً من المدافعات عن حقوق المرأة في المملكة، وكان من بينهن الناشطة لجين الهذلول (1989)، التي يصادف ميلادها الثلاثين اليوم 31 تموز/ يوليو.
لم تدخل السلطة إلى بيت الهذلول وتعتقلها فقط، بل ركلت الباب ودخلت حياتها وعبثت بها، وفرّقتها عن أقرب الناس إليها، إذ أجبرت زوجها الفنان الكوميدي فهد البتيري على تطليقها، بعد اختطافه من الأردن وإعادته إلى السعودية في 2018.
كانت بداية نشاط الهذلول المستفز لنظام آل سعود أنها قادت سيارة برخصة إماراتية على الحدود السعودية عام 2015، وأي نظام تستفزّه امرأة تقود سيارة! أوقفتها السلطات الاماراتية على الحدود، وهي تستقل سيارتها ثم سلّمتها إلى سلطات بلادها، ومنعتها من دخول "جنّة" دبي، واتهمتها بالتحريض على الحكومة السعودية من خلال استغلالها قضية قيادة المرأة.
هذا متوقع من سلطة الإمارات الحليفة، والتي لم تعد تخدع أحداً بمظاهرها. أليست هي البلاد التي تهرب منها الأميرات من أبائهن والزوجات من أزواجهن الشيوخ، وبعض مواطناتها لاجئات حقوق إنسان في ألمانيا.
مُنعت الهذلول من الظهور في وسائل الإعلام واستخدام شبكات التواصل الاجتماعي، وجرى التضييق عليها إلى أن اعتقلت في 2018 بتهمة التواصل مع جهات أجنبية، وكانت التهمة جاهزة تناسب انتقاء عدد من النساء اللواتي يردن تغيير المجتمع و"إفساده" ثم اتهامهن بالعمالة لـ "قطر"، استخدمت لجين والأخريات كوقود لتأجيج غضب المجتمع ضد الدولة الجارة.
لم تكتف السلطة باعتقال للهذلول ورفيقاتها، بل جنّدت الإعلام للتشهير بـ 47 امرأة ناشطة ما زلن حتى اللحظة في سجون آل سعود. أما خارج السجن فقد أصبحن يُتهمن بـ "خيانة" الوطن و"العمالة" و"التجسس"، وهناك توقعات بأن لا يقلّ الحكم على كثير منهن عن عشرين عاماً.
تناقلت التقارير الحقوقية، تعرّض لجين وزميلاتها أثناء الاحتجاز إلى التعذيب؛ صعقات كهربائية، جلد، ومضايقات جنسية تتمثّل في العناق والتقبيل القسري أثناء الاستجواب، وفقاً لتقرير سابق لمنظمة "هيومن رايتس ووتش".
كلّ هذا إلى جانب عنف جسدي ولفظي ونفسي من شتّى الأشكال، ووفقاً لشهادة لجين، فقد استجوبها المسؤولون السعوديون وهدّدها أحدهم باغتصابها، وقام المسؤولون بتعذيبها بانتظام وبشكل منهجي في موقع في جدة يسمى "الفندق"، والذي وصفته لعائلتها بأنه "قصر الإرهاب".
بعد عشرة أشهر من التعذيب، وبالتحديد في آذار/ مارس الماضي، تم تقديم لجين أخيراً إلى المحاكمة، إلى جانب العديد من الناشطات، وُجّهت إليهن تهم، ليس لأنهن خائنات للوطن كما يروّج الإعلام السعودي ومحمد بن سلمان نفسه، ولكن لمجرّد نشاطهن السلمي والاتصال مع وسائل الإعلام الأجنبية ومنظمات حقوق الإنسان.
وفي حين تمّ إطلاق سراح بعض الناشطات، ما تزال لجين وغيرها في السجن، ويجري تأخير النظر في قضاياهن أمام المحكمة إلى أجل غير مسمى، بينما يتعرّضن إلى التنكيل بهن جسدياً ونفسياً، ونذكر هنا تعليق الكاتبة مضاوي الرشيد الساخر حين قالت "السعودية تساوي بين الرجال والنساء في التعذيب"، وكانت تعلّق على ما تعرّضت إليه الهذلول.
من المفارقات التي تكتنف ردود الفعل العربية حول اعتقال الناشطات الحقوقيات في السعودية وتعذيبهن واحتجازهن بلا محاكمة، أن تجد الفنانات العربيات يتهافتن للغناء في السعودية، بعضهن لطالما وصفن بأنهم "ملتزمات" مثل ماجدة الرومي مثلاً، دون أن يكون لهذه الكلمة من معنى حقيقي. في حين تقرّر مغنية مثل نيكي ميناج أنها لن تغني في السعودية، كموقف من ما تتعرّض إليه النساء ومن حرية التعبير فيها.