تتعدّد الدراسات حول مستقبل اللغة العربية التي باتت تفترق في مستواها المعياري عن استخدامها كلغة وسيطة في التواصل والحياة اليومية والإعلام، مع الاختلاف حول القدرة على تطويرها بما يتناسب مع استعالاتها المعاصرة، وهي مسألة لا تنفصل عن الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
"كلمة توضيحيّة حول لغة القرآن الكريم وإعرابه" عنوان الندوة التي ينظّمها "المعهد الدومنيكي" في القاهرة عند الخامسة من مساء اليوم الثلاثاء في مكتبة المعهد، ويتحدّث خلالها كلّ من أستاذ الأدب العربي والنقد الأدبي عبد الحكيم راضي، والباحث في تاريخ النحو العربي جون درويل.
يقف راضي في كتابه "نظرية اللغة في النقد العربي" عند المستوى المعياري المثالي الكامل للغة، والذي وصفه بأنه تقديري ذهني وصوري لا وجود له في الحقيقة ولا صلة له بالاستعمال، حيث يطرح تساؤلاً أساسياً حول إمكانية التوفيق بين القول ببلاغة القرآن وبين القول بجريانه على أساليب العربية، أو كيف يمكن تصوّر أسلوب القرآن جارياً على سنن العربية – أي النمط المثالي- مع وصفه بالبلاغة التي تعني وفقاً لنظرتهم الانحراف عن هذه السنن؟
ويشير درويل في مقابلة سابقة إلى خصوصية اللغة العربية التي هي ليست مجرّد وسيلة تواصل، إنما مثّلت للعرب خلال تاريخهم الفنون والحضارة والفكر، خلافاً لجميع الحضارات الأخرى التي لم تأخذ فيها اللغة هذه المكانة خلال أكثر من ألف وخمسمئة عام.
ويوضح أن ارتباط اللغة العربية بالإسلام كان كبيراً، ربما توازيها إلى حد ما اللغة السنكسريتية في علاقتها بالديانة الهندوسية، حيث تحمل مكانة قدسية مركزية وتقترن بأيديولوجية دينية لا فكاك بينهما، لافتاً إلى عدّة مستويات للعربية هي لغة القرآن، واللغة التراثية التي تبتدئ قبل الإسلام وكان البعض يكتب بها حتى القرن الرابع الهجري، وهناك مستوى ثالث بدأ مع النهضة العربية في القرن التاسع عشر وهي لغة فصيحة تختلف عمّا ورد في التراث، ويوازيها جميعاً اللغة المنطوقة (اللهجات المحكية) وهي تطّورت بشكل أسرع من مثيلاتها المكتوبة.
ينبّه دوريل إلى عبقرية النص القرآني الذي نزل على سبعة أحرف، أي لهجات، ما يعني قراءات مختلفة كانت موجودة قبل الإسلام وتحمل تعدّداً في النظام اللغوي والتفكير باللغة نفسها، وبذلك تكون العربية مجموعة لغات تتشاسبة أو تتوحد في لغة واحدة، وهو ما كرّسه القرآن.