يمكن القول إن الفنان السوداني محمد عمر خليل (1936) قد ابتكر شكلاً رائداً من الفن، مزج فيه العناصر والأنماط التقليدية من ثقافته المحلية، مع فن البوب آرت، وأضاف إليها فنون الطباعة والرسم، وعبر قرابة خمسة عقود من العمل المتواصل والتجريب في الفن تنقّل عمله الفني بين مراحل مختلفة، أكسبته مكانة خاصة في مشهد الفن العربي.
تتعدد الهويات في عمل خليل وتندمج فتظهر العوالم التي أثرت به كما تشفّ أعماله عن تشرّبه للثقافات البصرية المختلفة التي تنقل بينها خلال رحلاته في أوروبا والمغرب العربي إذ أقام فترة في أصيلة خلال السبعينيات، وأميركا التي يقيم فيها منذ عام 1967، فضلاً عن ولعه بالتجريب في مناطق لا يطرقها الفنانون كثيراً كأن يحاول بناء عمل فني يجسّد العلاقة المعقدة بين رموز الشرق والفن المفاهيمي الذي نشأ في أوروبا.
العام الماضي، قدّم خليل تصوّراً بصرياً لرواية "موسم الهجرة إلى الشمال" للكاتب السوداني الطيب صالح (صدرت التجربة في كتاب فني عن دار دنقلة البيروتية)، وفي معرضه الذي يقام حالياً في غاليري "موزاييك روومز" في لندن، ويحمل عنوان "وطن تحت أظافري"، تُعرض مجموعة من أعماله المبكرة.
يتضمّن المعرض، الذي ينظمه الفنان التشكيلي اللبناني عبد القادري، سلسلة من البورتريهات الذاتية، وهي مساحة طالما دخلها الفنان كوسيلة من وسائل رصد التحولات الذاتية، وفقاً لما جاء في تقديم المعرض الذي يذكر أيضاً أن أحد هذه البورتريهات يعود إلى عام 1968، ويبلغ حجمها 2 × 2 سم فقط، وهو تحدٍ على صعيد الشكل والوسيط والحجم.
الكثير من أعمال خليل فُقدت وتحطمت عام 1988، في الطوفان الذي ضرب السودان تلك السنة، ويتيح معرض "وطن تحت أظافري" للمتلقي مشاهدة ما نجا منها، إضافة إلى عرض أعمال تجريبية أخرى تعود إلى فترة دراسة خليل في أكاديمية البندقية في إيطاليا، حيث درس رسم الفرسكو والطباعة.
يكشف معرض خليل عن تعدديته كفنان ليس من حيث مشاربه وثقافاته والمدن التي تنقل وعاش بينها فحسب، بل أيضاً إدخال عناصر مختلفة إلى عمله الفني كالموسيقى والبوب آرت والأختام والطباعة والفيديو. وهذه القدرة على الدمج وتوظيف العناصر تظهر جلية في "بورتفوليو هارليم"، الذي يتكون من سلسلة تصور الحي النيويوركي الشهير بطول خمسة أمتار. كما نجد له عملاً آخر بعنوان "روابط أصيلة" التي يجسد فيها الضوء والبحر في البلدة المغربية الساحلية.
المعرض يتيح أيضاً رؤية عمل بعنوان "تومبستون بلوز" والذي أنجزه خليل عام 1986، متأثراً بالموسيقى التي ألهمت عمله، لا سيما أن عنوان المعرض مستوحى من عنوان إحدى أغنيات بوب ديلان التي تحمل الاسم نفسه؛ وعن تأثر الفنان السوداني بالموسيقى نقتبس من كلماته في بيان المعرض: "تلمسني الموسيقى، أشعر أن الأصوات تخترق جسدي مباشرة وأنني أترجمها بصرياً. فقط الحفر يمكنه أن يعبر عن هذه الأصوات داخلي".