بدأ مشروع حفريات منطقة البيضا في جنوب الأردن عام 2014، بإشراف الآثارية البريطانية ميكايلا سينيبالدي، وبالتعاون مع "جامعة كارديف" البريطانية، و"مجلس البحوث البريطانية في بلاد الشام".
اختتم المشروع موسمه الخامس العام الماضي، والذي يستكشف الفترة ما بعد البيزنطية في البتراء ويهدف إلى سد فجوة مهمة في تاريخ المنطقة من خلال توسيع نطاق البحوث لتشمل عالم الآثار في البتراء وفتراتها اللاحقة للبيزنطية والحقبة الإسلامية على وجه الخصوص.
أما الفترة المقبلة من الحفريات، فتسعى إلى إجراء المزيد من المسوحات والحفظ والتدريب الأثري ومشاركة المجتمع في موقع البيضاء، الذي يقدّم دليلاً على وجود ثقافة مادية ذات أهمية إسلامية في منطقة البتراء.
حول هذا المشروع تحاضر سينيبالدي عند السادسة من مساء الثلاثاء المقبل، في "المجلس الثقافي البريطاني" في عمان، وتتناول المستجدات وإلى أين وصلت الحفريات وما هي أهمّ الاكتشافات، وما هو المتوقع في الفترة المقبلة.
يعدّ هذا الموقع جزءاً من دراسة أوسع نطاقاً، وهو مشروع حقبة البتراء المتأخرة، والفترات اللاحقة التي شهدت العديد من عمليات الإعمار والاستيطان بما في ذلك القرى في منطقة البيضا نفسها، التي استمدت اسمها من اللون الأبيض للحجر الرملي المحلي، وتقع بالقرب من "سيق البارد"، أو ما يسمّى بالبتراء الصغيرة، وهي جزء من منطقة البتراء.
تحاجج سينيبالدي أنه، وعلى العكس من النظريات التقليدية، فإن وادي البتراء لم يتمّ التخلي عنه بالكامل في الفترة البيزنطية، بل كانت هناك حركة تدريجية لمعظم السكان الذين يعيشون داخل الوادي إلى مناطق خارجية بحثاً عن فرص أفضل للمياه والزراعة.
أما في العصر الإسلامي، فقد أصبحت البيضا واحدة من المناطق المأهولة بالسكان في المنطقة. ركّزت أعمال التنقيب الأخيرة على مساكن القرية وعلى دراسة آثار مسجدين فيها، وهما الوحيدين اللذين تم تحديدهما ودراستهما بالكامل في المنطقة بأكملها.
كشفت الحفريات في المسجد الأول أيضاً عن اكتشافات مهمة، ففي حين أن أسلوبه في البناء والهندسة المعمارية يشبه إلى حد كبير المسجد الثاني هناك اختلافات بين المبنيين، فالأول له أبعاد مختلفة ويمتدّ قوسانه بين الشمال والجنوب.
ترى الآثارية أن ذلك قد يعزى جزئياً إلى حقيقة أن المسجد بني على عدد من المباني السابقة، بما في ذلك مبنى يمكن أن يعزى بوضوح إلى الفترة النبطية.
كان الاكتشاف الأكثر إثارة للاهتمام هو وجود جص مطلي باللون الأحمر يغطّي مساحات كبيرة من الجدران الداخلية للمسجد، وهو عنصر مهم لإعادة بناء زخرفة المساجد في هذه الفترة.
سينيبالدي هي عالمة آثار متخصّصة في العصور الوسطى والعثمانية وتجري عملاً ميدانياً في الأردن منذ عام 1994، وعلى مدى السنوات الماضية ركّز عملها على آثار البتراء خلال العصور الإسلامية.