مع وصول سعر تنكة البنزين في لبنان إلى أكثر من 460 ألف ليرة، لم يعد من السهل على الفقراء التنقل باستخدام سيارات الأجرة.
وبات ما يعرف بـ"التوكتوك" وسيلة جديدة تقل المواطنين في الأحياء الفقيرة.
من مدينة طرابلس، شمالي لبنان، إلى العاصمة بيروت، يمكن بسهولة رصد حركة لافتة لـ"التوكتوك"، خاصة في المناطق الشعبية، بعدما تعذر على الكثير من اللبنانيين شراء الوقود.
نادر مصطفى (25 عاماً) يملك "توكتوكاً" بسيطاً، يقوم بنقل أصدقائه وأبناء الحي الذي يقطن فيه صباحاً إلى عملهم، يتقاضى نظير ذلك ما بين 5000 إلى 8000 ليرة لبنانية (الدولار = نحو 24 ألف ليرة)، ما يساعده على تأمين المستلزمات اليومية بعدما فقد عمله، نتيجة الأزمة، في إحدى شركات توزيع الأغذية في لبنان.
حسب مصطفى، قد يكون التوكتوك وسيلة نقل رخيصة نسبياً بالنسبة للعديد من الأشخاص الذين لا يزالون يتقاضون رواتبهم بالعملة اللبنانية، لكن الاعتماد على هذه الوسيلة ليس أمراً سهلاً، مع تقلبات الطقس ودرجات الحرارة، التي قد تعيق من التنقل في الشوارع الداخلية للعاصمة.
تغيير في العادات
بدلت الأزمة الاقتصادية الكثير من العادات لدى اللبنانيين. فقد يكون من الطبيعي أن تجد التوكتوك في عدد من البلدان المجاورة، خاصة أن تلك الدول لم تكن تشجع المواطنين وتدفعهم نحو القروض المصرفية لشراء السيارات، إلا أنه في بلد يقوم اقتصاده على الاستهلاك والتشجيع على القروض المصرفية، لم يكن التوكتوك، أو حتى وسائل النقل العامة، ذا فعالية في البلاد. بعد الأزمة الاقتصادية، تراجع شراء السيارات بأكثر من سبعين في المئة، وفق مركز الدولية للمعلومات للأبحاث.
وبات شراء سيارة لغير الميسورين ترفاً مع فقدان الليرة أكثر من تسعين في المئة من قيمتها، ومن ناحية ثانية، لم يعد باستطاعة غير الميسورين تسديد التكاليف غير المباشرة للقيادة في لبنان، تحتاج السيارات إلى مراجعة دورية عند وكلاء البيع الذي يفرضون التعرفة بالدولار الكاش. كما أن أزمة الاستيراد أرخت بظلالها أيضاً على محال بيع قطع السيارات، وبات تصليح أو تبديل أي قطعة في السيارة يتطلب ميزانية خاصة.
أزمة طاحنة
قد تكون ظروف مصطفى بامتلاكه التوكتوك ساعدته نوعاً ما في تخطي الأزمة، إلا أن محمد عيتاني، سائق سيارة أجرة (53 عاماً)، تأثر بشدة بسبب أسعار الوقود.
يقول عيتاني لـ "العربي الجديد": بعدما وصل سعر البنزين إلى أكثر من 400 ألف ليرة، لم أعد قادراً على العمل بشكل يومي، لأن المدخول اليومي لا يؤمن حتى سعر الوقود. يتطلب من عيتاني أن يقل نحو 20 راكباً يومياً حتى يتمكن من تسديد ثمن الوقود، فيما يحتاج إلى 20 راكباً آخر لتأمين المستلزمات الأساسية من المأكل والمشرب لعائلته المكونة من 4 أفراد، ما يعني 40 راكباً فقط لتأمين الحد الأدنى من الأساسيات اليومية، من دون احتساب تسديد فواتير الماء والكهرباء وغيرها، أو حتى احتساب أي حوادث تطرأ على عمل السيارة.
ارتفعت تعرفة النقل في لبنان لأكثر من 12 ضعفاً، فارتفع سعر التعرفة إلى نحو 25 ألف ليرة بسبب التضخم، على الرغم من أن معدلات الأجور لا تزال على حالها، ما يعني أن بدل النقل يستهلك في المتوسط نحو 100 ألف ليرة يومياً، أي شهرياً يحتاج الموظف الذي يتقاضى ما بين مليون و200 ألف ومليون و500 ألف لضعف الراتب فقط بدل نقل.
أما بالنسبة للموظفين الذين يعيشون خارج العاصمة ويستخدمون وسائل النقل المشتركة، فالأسعار ارتفعت بدورها عشرات الأضعاف، ما أدى فعلياً إلى انقطاع العديد من الموظفين عن أداء عملهم واعتماد فكرة العمل عن بعد، نظراً لعدم قدرتهم على تسديد التعرفة.
يعلق رئيس اتحادات ونقابات النقل البري بسام طليس على ارتفاع تعرفة النقل في لبنان بالقول إن الظروف المعيشية وانهيار سعر الصرف فرضت نفسها على واقع النقل الذي تأثر كسائر القطاعات في لبنان.
وحسب طليس، لا يمكن إلقاء اللوم على السائق لرفع التعرفة، لأن ذلك جاء في سياق انهيار قيمة العملة، وبالتالي على الدولة التحرك لإنقاذ الليرة اللبنانية.