مع بقاء أسابيع معدودة على موعد تشغيل خط أنابيب الغاز "السيل الشمالي-2" لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا، يترقب لاعبون في سوق الغاز تداعيات تدشين المشروع على سوق الطاقة الأوروبية من جهة تحول ألمانيا إلى المجمع الرئيسي للغاز الروسي في أوروبا، والانتصار الجيوسياسي الروسي من جهة التمكن من الالتفاف على أوكرانيا في نقل "الوقود الأزرق" إلى المستهلك الأوروبي دون المرور عبر أراضيها.
وحسب وكالة "بلومبيرغ" الأميركية، فإن عملاق الغاز الروسي "غازبروم" قد يبدأ بنقل الغاز عبر الأنبوب الأول لـ"السيل الشمالي-2" إلى ألمانيا اعتباراً من الأول من أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
ولفتت الوكالة الأربعاء، إلى أن خط الأنابيب الذي طال انتظاره قد يحقق بعض الارتياح لأسواق الغاز الأوروبية التي تواجه نقصاً قبل بدء الموسم الشتوي مع ارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية.
كما يحقق تشغيل الخط انتصاراً للمستشارة الألمانية المنتهية ولايتها، أنجيلا ميركل، التي دعمت المشروع على مدى 10 سنوات، في مواجهة معارضة الحلفاء الرئيسيين مثل الولايات المتحدة.
ويعتبر رئيس معهد الطاقة والمال في موسكو، مارسيل صالحوف، أن تشغيل مشروع "السيل الشمالي-2" سيصب في مصلحة روسيا وأوروبا، متوقعاً أن تتحول ألمانيا خلال السنوات المقبلة إلى المجمع الرئيسي للغاز في القارة العجوز خلفاً لهولندا.
ويقول صالحوف في حديث لـ"العربي الجديد": "نتيجة للعقوبات الأميركية ورفض المساهمين الأجانب تحمل مخاطر تمويل المشروع، فإن "غازبروم" تتحمل نفقات المشروع المقدرة بنحو 11 مليار يورو بشكل كامل فعلياً، وفي حال تعثر خط الأنابيب كان عليها أن تسدد الديون للشركات الأجنبية".
وحول مكاسب روسيا وألمانيا جراء استكمال المشروع، يضيف: "هذا المشروع صعب وعالي الكلفة على روسيا، وأمامها الآن طريق طويل لتغطية النفقات، خاصة وأنه لا تزال تجري مناقشات حول ما إذا كان سيتم تشغيله بنسبة 50 أم 100% من طاقته التمريرية.
أما الرابح الأكبر، فهو ألمانيا كونها قد تزاحم هولندا خلال السنوات الخمس المقبلة كأكبر مجمع للغاز في أوروبا، بما في ذلك من جهة الترانزيت إلى الدول الأوروبية الأخرى. ولذلك حظي "السيل الشمالي-2" بدعم ألمانيا".
وأثار استكمال "السيل الشمالي-2" انتقادات لاذعة في أوكرانيا التي تتخوف من أن يصبح المشروع الجديد بديلاً عن ترانزيت الغاز الروسي عبر أراضيها بعد انتهاء عقد الترانزيت الحالي الساري حتى عام 2024.
إلا أن صالحوف يشير إلى أن تشغيل "السيل الشمالي-2" لا يعني استغناء "غازبروم" عن الترانزيت الأوكراني، قائلاً: "ليست هناك جدوى اقتصادية لـ"غازبروم" أن تستغنى عن ترانزيت الغاز عبر الأراضي الأوكرانية، في ظل التوقعات بارتفاع الطلب على الغاز في أوروبا، وعجز خطوط الأنابيب المباشرة عن استيعاب الإمدادات بالكامل في الموسم الشتوي".
من جانبه، قال نائب مدير صندوق أمن الطاقة الوطني في موسكو، أليكسي غريفاتش، في تعليق لـ"العربي الجديد" إن "خط أنابيب "السيل الشمالي-2" مشروع مهم للغاية لأمان الطاقة لروسيا وأوروبا، كونه يزيد من الفاعلية الاقتصادية والبيئية لنقل الغاز الروسي إلى المستهلكين الأوروبيين.
ويظهر الوضع الراهن بسوق الغاز في الاتحاد الأوروبي أن السوق الأوروبية تحتاج إلى كميات إضافية من الغاز، بما في ذلك من روسيا. وقد يزداد الطلب حتى أكثر من ذلك إذا كانت الأسعار مناسبة".
ومن اللافت أن الكشف عن الموعد المتوقع لتشغيل "السيل الشمالي-2" يتزامن مع ارتفاع أسعار الغاز بالسوق الأوروبية إلى مستويات قياسية تفوق 650 دولاراً لكل ألف متر مكعب، وسط تدني الاحتياطات بمستودعات الغاز الأوروبية عشية بدء الموسم الشتوي.
ومع ذلك، يقلل صالحوف من إسهام تدفق الغاز عبر المشروع الجديد في انخفاض الأسعار، مضيفاً: "لن يكون انخفاض أسعار الغاز بعد تشغيل "السيل الشمالي-2" كبيراً، في ظل ارتفاع الأسعار بالأسواق الآسيوية ومواصلة الصين مشترياتها. صحيح أن غازبروم تواجه انتقادات لعزوفها عن زيادة الإمدادات إلى أوروبا، ولكن مصدري الغاز الطبيعي المسال أمثال الولايات المتحدة وقطر يركزون أيضاً على آسيا للاستفادة من أسعارها المرتفعة".
بدوره، لفت مدير مجموعة الموارد الطبيعية والمواد الخام بوكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، دميتري مارينتشينكو، في حديث لوكالة "نوفوستي" الحكومية الروسية إلى توفر مؤشرات غير مباشرة لعدم رغبة "غازبروم" في الإقدام على زيادة ضخ الغاز في المستودعات أو بيعه عشية تشغيل "السيل الشمالي-2".
ويأتي تشغيل "السيل الشمالي-2" بعد تأخر طويل، حيث كانت روسيا تعتزم تدشينه في عام 2019، لكنه واجه عقبات واحدة تلو الأخرى بسبب التهديدات الأميركية بمعاقبة المشاركين في تحقيق المشروع.
إلا أن الرئيس الأميركي، جو بايدن، أقر في الصيف الماضي بعدم إمكانية تعطيله بعد استكمال أعمال البناء بنسبة 99%، وأعطى الضوء الأخضر لاستكمال المشروع وسط توجه موسكو وواشنطن نحو تطبيع العلاقات بينهما على مدى الأشهر الماضية، بعد القمة الروسية الأميركية في جنيف في منتصف يونيو/حزيران الماضي.
ويشمل "السيل الشمالي-2" مد أنبوبين بطاقة تمريرية إجمالية قدرها 55 مليار متر مكعب سنوياً، لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا مباشرة عبر قاع بحر البلطيق دون المرور بالأراضي الأوكرانية، مما أضفى بعداً جيوسياسياً على المشروع الذي لم يعد مصنفا كاقتصادي بامتياز.